في تصنيف الأقاليم السياسية

اعداد: د. شاهر إسماعيل الشاهر (جامعة دمشق)

يتساءل الكثير من الجغرافيين، وبعض المنظّمات المتخصّصة عن عدد دول العالم؛ حيث أثار تساؤلهم خلافاً كبيراً فيما بينهم، وفي عام 1998 أظهر إحصاء قام به مجموعة من الدارسين أنّ عدد دول العالم “230 دولة”، من ضمنها الدول التي تتمتع بالحكم الذاتي وعددها 25 دولة، أمّا صحيفة الإيكونوميست قالت إنّ دول العالم تتراوح بين 168 و254 دولة، وتفصيل هذه الدول كالتالي: 46 دولة في قارة آسيا، 54 دولة في قارة إفريقيا من ضمنها الصحراء الغربية، 47 دولة في قارة أوروبا، 27 دولة في قارة أمريكا الشمالية والوسطى، 12 دولة في قارة أمريكا الجنوبية، 19 دولة في قارة أستراليا[1].

وتعد دولة الفاتيكان أصغر دولة؛ بحيث تبلغ مساحتها 0.44 كم مربّع، وتليها موناكو، وتعد روسيا أكبر دولة من حيث المساحة.

المبحث الأول: العوالم الثلاثة أثناء الحرب الباردة

تم تقسيم العالم إلى ثلاثة عوالم، وهي:

1- العالم الأول

العالم الأول أو المعسكر الرأسمالي أو المعسكر الغربي مفهوم برز خلال الحرب الباردة، حيث كان يستخدم لوصف الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، تلك الدول كانت ” ديمقراطية ورأسمالية”.

وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة، تغير معنى مصطلح العالم الأول وأصبح معناه مرادفاً إلى حد ما مع الدول المتقدمة أو الدول المتقدمة جداً، وهي الدول التي تتمتع باقتصاد متقدم ومؤشرات تنمية بشرية عالية وذك بالمقارنة بالدول الأخرى. وقد عرَّفت هيئة الأمم المتحدة العالم الأول على حسب مقياس الناتج القومي الإجمالي[2].

2- العالم الثاني:

دول العالم الثاني أو المعسكر الشيوعي أو المعسكر الشرقي هي مجموعة الدول الداخلة تحت نطاق الاتحاد السوفييتي، أو تلك البلدان التي تتميز باقتصاد مخطط مسبقاً الاشتراكية، معارضة بذلك المنظومة الفكرية للعالم الأول.

استخدم مصطلح العالم الأول ومصطلح العالم الثالث بالإضافة إلى هذا المصطلح لتقسيم العالم إلى ثلاث فئات واسعة. وبعبارة أخرى فإن مصطلح العالم الثاني نشأ بسبب الحرب الباردة. وهذا المصطلح قد انخفض استخدامه بشكل كبير منذ ثورة 1989. على الرغم من ذلك فإنه لا يزال يستخدم لوصف الدول التي ما بين الفقر والرخاء، وكثير منها دول شيوعية ودول شيوعية سابقة[3].

وتتميز دول العالم الثاني عن دول العالم الأول برفضها للثقافة الليبرالية وللثقافة الرأسمالية المفتوحة، كما تتميز عن العالم الثالث بالمستوى التعليمي فيها وحجم دولها وبقوتها النسبية. والمعنى الفعلي لتلك المصطلحات قد تغير من كونها مبنية على الفكر السياسي، وأصبحت تعتمد على النظام الاقتصادي في الدولة.

3- العالم الثالث:

دول العالم الثالث يقصد بها الدول النامية، وهي التي تنتج المواد الأولية ولا تقوم بتحويلها إلى منتجات أخرى لأنها لا تملك القدرة المالية ولا التقنية ولا التدريبية. وهي تبيع السلع الأولية رخيصة إلى دول العالم المتقدم ثم تشتري المنتجات التي صنعت من سلعها الأولية بأغلى الأسعار من نفس الدول وهي مستغلة من الدول المتقدمة[4].

والدول النامية ينتشر فيها الأمية والفقر ومعظم شعبها يشتغل بالزراعة لأنهم لا يتقنون سواها، فأغلبهم أميون لم يتعلموا وليس عندهم أي تدريب أو تطوير فلا يجيدون سوى الزراعة أو الأعمال المشابهة لها.

وللأسف معظم الشعوب العربية، إن لم تكن كلها، هي من الدول النامية، وإن ركبوا أفخم السيارات وسكنوا أفخم القصور لأنهم لا يصنعون السلع ولا ينتجون التقنية، إنما يشترون المستهلك النهائي من العالم المتقدم,  فنحن شعوب لا تنتج بل تستهلك فقط وهذا سبب تخلفنا.

ولا تهتم الجغرافيا السياسية يتركيب الدولة من حيث وظائف سلطاتها الثلاث: (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، سواء أكانت الحكومات ديمقراطية أو ديكتاتورية. فتلك كلها تدخل في مجال علم السياسة، ولكن الجغرافيا تهتم بنوع السيطرة الحكومية على جزء معين من سطح الأرض ودرجة السيطرة ومدى فعاليتها وانعكاسها على شكل الدولة ودورها في تقويم القوة الاقتصادية والسكانية.

ويصنف فقهاء القانون الدولي العام الدول على أساس معيار السيادة، بينما يصنفها فقهاء القانون الدستوري على أساس معيار الشكل أو التكوين وطبيعة السلطة السائدة فيها.

المبحث الثاني: أنواع الدولة من حيث السيادة:

تقسم الدول من حيث السيادة إلى نوعين هما: الدول كاملة السيادة، والدول ناقصة السيادة.

المطلب الأول: الدول كاملة السيادة:

يقصد بالدولة كاملة السيادة على أنها الدولة التي تملك مباشرة جميع الاختصاصات النابعة من قواعد القانون الدولي العام، فالدولة تتصرف بحرية في شؤونها الداخلية والخارجية بدون تدخل أو اشراف من دولة أخرى.

وهكذا فالدولة كاملة السيادة هي تلك الدولة التي تتمتع باستقلال تام في مباشرة شؤونها الداخلية والخارجية وممارسة سلطاتها، دون خضوعها لتأثير أو رقابة أو هيمنة أو توجيه دولة نافذة أخرى أو منظمة دولية. أي هي الدولة التي تتمتع بكافة حقوقها وتلتزم بكافة واجباتها الدولية، وهي في مباشرتها لذلك لا تخضع سلطتها لأي سلطات أخرى داخلية كانت أم خارجية، خضوعاً مقرراً بقاعدة قانونية، إلاّ ما تفرضه عليها قواعد القانون الدولي العام من قيود على حريتها في التصرف، أو ما قد تفرضه التزامات تعاهديه أو اتفاقية كانت قد أبرمتها الدولة بمحض ارادتها[5].

ومن مظاهر الاستقلال الداخلي، على سبيل المثال لا الحصر هي: حرية اختيار الحكام، واختيار نظام الحكم المناسب لشعب الدولة، وكتابة دستورها، واصدار القوانين والأنظمة واللوائح والقرارات التي تضمن تحقيق مصالح وأهداف الشعب الآنية والمستقبلية.

أما من مظاهر الاستقلال الخارجي، فهي: حرية الدولة في اقامة علاقاتها الدولية مع أشخاص القانون الدولي، وخاصة الدول والمنظمات الدولية والوكالات الدولية المتخصصة، بدأً من الانتماء إليها مروراً في الاشتراك في أنشطتها وانتهاءً في الانسحاب منها، إن قررت ذلك بإرادتها. ومن المظاهر الأخرى نجدها أيضاً في حرية الدولة بإعلانها الحرب أو وقفها وعقد الصلح، وفي عقد المعاهدات والاتفاقيات أو الانضمام إليها أو الانسحاب منها[6].

ويرى البعض ان جميع أعضاء منظمة الأمم المتحدة هي دول كاملة السيادة، مستندين إلى الفقرة الأولى من المادة الثانية من الميثاق، التي نصت على أن: ” الهيئة تقوم على مبدأ السيادة بين أعضائها”.  إلا أن التطور الذي حصل على مفهوم السيادة بفعل متغيرات استراتيجية دولية، قد جعلته يتصف بسمة المرونة والنسبية. فضلاً عما نلاحظه من تناقضات فيما بين النص القانوني الدولي المذكور وتطبيقاته العملية على أرض الواقع وخاصة من قبل الدول الكبرى راعية الميثاق نفسه والتي تعد أكثر الجهات الدولية اختراقاً لسيادة الدول الأخرى.

ويدخل ضمن إطار هذا التقسيم نوعين متميزين من الدول هما: الدول القومية أو الدول ذات النظام الموحد والدول الاتحادية.

أولاً: الدول القومية ( الدول الموحدة):

تتفق معظم الآراء على أن أول اعتراف رسمي بالدولة الحديثة كان قد تحقق من خلال معاهدة (ويستفاليا) عام1648م التي أنهت الحروب الدينية الطاحنة في أوروبا (حرب الثلاثين عام)، كما أنها قننت أسس التعامل بين الدول الأوروبية التي كانت تتكون منها الإمبراطورية الرومانية المقدسة، فضلاً عن كونها أرست معالم نظام دولي جديد قوامه (الدولة القومية).

وهكذا، فقد ظهرت (الدولة القومية) في بعض دول أوروبا كمحصلة لمسيرة التطور الاجتماعي, والاقتصادي, والأحداث السياسية، ومن ثم انتشر هذا النمط من أنماط التنظيم السياسي إلى بقية أرجاء القارة.

إذاً، فالحديث عن الدولة الحديثة في دول العالم الغربي، إنما هو حديث عن (الدولة القومية) أو (الدولة-الأمة) كشكل سياسي- قانوني متميز عن الأشكال التي سبقته[7].

وفي واقع الأمر، لم يأت ظهور الدولة القومية من فراغ، بل إنه كان مصاحباً لعملية تحولات عميقة عدت بمثابة انتقال من عصر إلى آخر، من المجتمع الزراعي التقليدي (الإقطاعي)، إلى المجتمع الصناعي الحديث (الرأسمالي) وهو مجتمع أطلق تحولات اجتماعية-اقتصادية وثقافية ديناميكية.

فقد استطاعت الأمم والشعوب التي تطور فيها أسلوب الإنتاج الرأسمالي أن تسبق غيرها من الشعوب والأمم في بناء دولتها الحديثة، بعد أن استكملت وحدتها القومية، وإقامة المؤسسات التمثيلية والتنفيذية والبيروقراطية التي شكلت دعائم وأسس هذه الدولة. ومن ثم فإن حياتها السياسية قد تطورت بالتوازي مع اتساع الدائرة المدنية، وانفصل لديها ما هو سياسي عن ما هو ديني، من خلال إضعاف السطوة الشمولية للكنيسة، وتحقيق نوع من الاستقلال النسبي للأصعدة المتراكمة السياسية, والثقافية والاقتصادية. في حين اعترف المجتمع المدني الذي تشكّل كنقيض للدولة الإقطاعية وعلى أنقاضها بهذا الكيان وخضع له، على أنه نتاج طبيعي وممثل عضوي لأهدافه.

وبهذا المعنى، فإن الدولة الحديثة انبثقت من صميم إرادة الجماهير وخرجت من صلب المجتمعات التي تشكلت فيها. ومن ثم فإن ولادتها جاءت متسّقة مع ثقافة تلك المجتمعات ومستوى تطورها السياسي ولم تكن مفروضة عليها من الخارج.

ثانياً: الدول الاتحادية أو التعاهدية:

النظام الاتحادي: هو شكل من أشكال الأنظمة السياسية لجأت إليه كثير من الدول لتحقيق أهداف ومصالح مشتركة كالحاجة إلى تدعيم استقلالها وتنمية اقتصادياتها والاستفادة من عناصر التقارب، سواء في التركيب السكاني العرقي أو اللغوي أو الديني أو التشابه في الموارد والامكانيات التي يمكن استغلالها بسهولة. ومن مميزات هذا النظام توفير قسط الحماية ضد السلطة المركزية الزائدة للعاصمة القومية، ومحاولة استيعاب الاختلافات الاقليمية في الدولة  والاستفادة من إيجابياتها[8].

والدول التعاهدية هي الدولة التي تتكون من دولتين أو أكثر أي هي مجموعة من الدول المترابطة أو المتحدة فيما بينها ضمن أشكال متعددة، والتي تتمثل في الاتحادات الكونفدرالية والاتحادات الفيدرالية، وسنقوم بالبحث في كل اتحاد من هاذين الاتحادين على حدة، وذلك في المطلبين التاليين:

وتنقسم الدول الاتحادية إلى عدة أنواع، أهمها نوعان[9]:

  • الدول الفدرالية:
  • الدول الكونفدرالية أو التعاهدية:

أ‌- الدول الفدرالية: 

الفدرالية نمط من أنماط التنظيم السياسي والمؤسساتي للدول، تتحد بموجبه مجموعة وحدات سياسية مستقلة (دول، ولايات، كانتونات… إلخ) في دولة فدرالية واحدة، على أن تتمتع الوحدات السياسية باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها وبهياكل مؤسساتية مستقلة تماماً عن الحكومة الفدرالية، مع أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة[10].

وفي النظام الفدرالي تتوفرُ الوحدات الفيدرالية على حكومات كاملة الصلاحيات في تدبيرها للشأن المحلي، في حين تؤول للحكومة المركزية السلطات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، كما تتولى جميع الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفدرالية، ويكون للوحدات السياسية الفدرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها[11].

نشأة الفدرالية

نجد الأصول النظرية للنظام الفدرالي أو الفدرالية في كتابات الفيلسوف ورجل الدين الألماني جوهان ألتيزيوس (1557-1638) حول التنظيم السياسي في إطار اتحادي تضامني. وضمَّن ألتيزيوس أفكارَه بشأن النظام التضامني في كتاب صدر عام 1603 وحمل عنوان “السياسة: عرض منهجي ومعزز بنماذج شاهدة ومقارنة”[12].

عرض ألتيزيوس في كتابه أفكاراً حول الفدرالية لم تكن ليبرالية مطلقاً، إذ ركز على حرية المجموعات المؤلفة للفدرالية أكثر من تركيزه على حرية الفرد داخل النظام الفدرالي. ومع ذلك، فإنه يبقى الأب المعنوي لفكرة النظام الفدرالي الذي تعود نشأته في الواقع إلى ما قبل صدور كتابه ذاك بأربعة قرون[13].

ويُمكن القول إن الفدرالية وُجدت على أرض الواقع قبل أن يُنظر لها الفلاسفة في كتاباتهم، وبالتالي فهي تجربة سياسية واجتماعية حية أكثر منها نظرية فلسفية ألهمت خيارات سياسية لاحقاً. ففي عام 1291، قام عهد دفاعي بين كانتونين في سويسرا هما شويز وأنتروالد أسس لاحقاً لقيام الفدرالية السويسرية التي اعتمدت في البداية النظام الكونفدرالي القائم على اتحاد كيانات سياسية مستقلة، وتفويضها صلاحيات سياسية وتنفيذية لحكومة مركزية تُمثل فيها تلك الكيانات. بيد أن الدولة الفدرالية كما هي معروفة اليوم قامت لأول مرة بموجب دستور الولايات المتحدة الأميركية الصادر في 1787.

طرق توزيع وتحديد الاختصاصات

هناك ثلاثة طرق يتم بموجبها تحديد وتوزيع الاختصاصات، وهذه الطرق هي:

الطريقة الأولى:

تحدد في الدستور الفيدرالي اختصاص الدولة الفيدرالية (الحكومة المركزية)، وما يتبقى منها يكون من اختصاص الحكومة المحلية، وهذه الطريقة هي أكثر الطرق شيوعاً بين الدول بل هي المتبعة في الغالبية، منها: سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية والهند.

الطريقة الثانية:

تحديد اختصاصات الحكومة المحلية (الإقليمية)، وماعداها سيكون من اختصاص الحكومة المركزية (الفيدرالية) وهو ما متبع في كندا[14].

الطريقة الثالثة:

بموجب هذه الطريقة يتم بيان اختصاصات الحكومة المركزية (الفيدرالية) واختصاصات الحكومة المحلية (الإقليمية) أي هناك قائمتان :

  • القائمة الأولى تبين فيها اختصاصات الدولة الفيدرالية(المركزية).
  • القائمة الثانية تبين فيها اختصاصات الحكومة المحلية (الإقليمية).

وتوجه إلى هذه الطريقة انتقادات كثيرة، لأن هناك اختصاصات رهينة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وقد تفقد عدد من المسائل صفتها المحلية لتصبح شأناً قومياً والحال هذه تستدعي تدخل الدولة الفيدرالية، لذا فإن الطريقة الأولى هي الطريقة الأكثر نجاحاً وشيوعاً[15].

من الكونفدرالية إلى الفدرالية

دفع تطور الدولة الحديثة وتشعب التزاماتها وبُـناها السياسية والمؤسساتية الدول الفدرالية إلى التخلي تدريجياً عن النهج الكونفدرالي لفائدة الفدرالية القائمة على اتحاد كيانات مستقلة وذات سيادة، في اتحاد فدرالي تقوده حكومة تتقاسم الصلاحيات والسيادة الوطنية مع حكومات الوحدات المشكلة للدولة.

وقام النظام الكونفدرالي على اتحاد كيانات سياسية وترابية داخل اتحادي مشترك يقوده مجلس فدرالي تمثل فيه الكيانات المشكلة للاتحاد ويتمتع بصلاحيات ذات طبيعية تنسيقية فقط، لكن لهذا النظام محدوديتَه مع النزعة المركبة المتنامية لطبيعة بنية الدولة والوظائف التي تقوم بها، لاسيما مع تطور آليات تسيير الشأن المحلي واتساع نطاقه ليشمل عدداً من الخدمات الأساسية.

محاسن النظام الفدرالي

يضمن النظام الفدرالي قدراً من سهولة التبادل التجاري والاقتصادي بين مكونات الدولة وهذا أحد الأسباب التي قام من أجلها في الأصل، كما يُتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفدرالية، وهو ما يُنتج في المحصلة نماذج أكثر تطوراً وقادرة على ابتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل.

يقوم النظام الفدرالي على تكريس التعددية والتنوع، وهذا مصدر إثراء للدولة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية وعلى مستوى الحكامة.

كما يضمن هذا النظام إسناد تسيير الشؤون المحلية للوحدات الفدرالية وحكوماتها ملاءمة الخدمات والضرائب والإطار العام للحياة مع خصوصيات السكان في كل منطقة، وتجنب النماذج الجاهزة المصدرة من المركز والتي لا تكون غالبا واعية بالخصوصيات المحلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

مساوئ النظام الفدرالي

لا يخلو النظام الفدرالي من مثالب، فمثلا السلطات الواسعة للحكومات المحلية تعوق بلورةَ رؤية تنموية شاملة على المستوى الوطني، كما أن التنوع الكبير الذي تُعززه السياسات المحلية يُعسّر صوغ هوية وطنية مع مرجعيات موحدة، وهو ما يَطرح بشكل مزمن إشكالية الاندماج الوطني.

ومن المآخذ الجوهرية على النظام الفدرالي الخلافات بين الحكومة الفدرالية والحكومات المحلية خاصة عند نشوب اضطرابات، إذ يُثير التداخل بين سلطة وسيادة الحكومة المركزية والصلاحيات الخاصة بالحكومة المحلية إشكالاتٍ قد تتحول إلى مواجهة سياسية بين الجانبين.

وفي بعض الأحيان تنشأ خلافات بين الطرفين حول الضرائب وتوزيعها، وحول استفادة الحكومة المحلية من الاستثمارات المباشرة في الحوزة الترابية التابعة لها.

وفي هذا الصدد، يمكن الاستشهاد بالنزعة الانفصالية المتنامية في إقليم كتالونيا بإسبانيا والتي تعود في أصلها إلى استياء الحكومة المحلية مما تعتبرهُ غبنا تمارسه حكومة مدريد ضدها في توزيع عائدات الضرائب، وهو ما ترد عليه حكومة مدريد دائما بأن الإقليم غني وليس في حاجة إلى الجزء الأكبر من عائداته من الضرائب، وبالتالي ترى أنه من الأنفع توجيهه لدعم التنمية في أقاليم أخرى أكثر فقراً.

ب- الدول الكونفدرالية:

يمكن تعريف الاتحاد الكونفدرالي بأنه: ” اتحاد بين دولتين أو أكثر وتخضع جميعها لرئيس دولة واحدة، وتندمج جميعها في شخصية دولة خارجية واحدة يكون لها وحدها حق ممارسة الشئون الخارجية والتمثيل السياسي الخارجي، وذلك مع استقلال كل دولة من الدول الأعضاء بنظامها السياسي الداخلي الخاص بها”.

فالاتحاد ينشأ نتيجة معاهدة تبرم بين دول كاملة السيادة تتفق على تنظيم علاقتها الاقتصادية والثقافية والعسكرية مع بعضها البعض، فتنشأ علاقة اتحادية تحتفظ بموجبها كل دولة بسيادتها واستقلالها وحكامها وحكومتها وبنظامها السياسي وتحافظ على جنسية مواطنيها، وتمتلك حق الانسحاب من الاتحاد، ويعد دخولها في نزاع مع أحدى الدول نزاعاً دولياً[16].

وينتهي الاتحاد الكونفدرالي إما بانسحاب الدول الأعضاء، أو انحلال الاتحاد، أو زيادة تماسكها وترابطها ودخولها في اتحاد فيدرالي عوضاً عن الاتحاد الكونفدرالي .

وبمعنى أخر، تكون في هذا الاتحاد هيئة سياسية مشتركة للدول الاعضاء الداخلة في هذا الشكل الاتحادي. وهذه الهيئة قد تكون مؤتمراً أو مجلساً، أي مجموعة مندوبين يشكلون دول الاتحاد. ومهمة الهيئة تحديد سياسة مشتركة للدول الاعضاء وتتخذ التوصيات بشأنها.

وتحتفظ كل دولة من دول الاتحاد باستقلالها الخارجي ونظامها السياسي الداخلي دون أي تغيير. ولا يتجاوز الغرض من ذلك سوى تحقيق مصالح مشتركة قد تكون اقتصادية أو أمنية أو غيرها. وينظم كل ذلك بمعاهدة أو ميثاق بين الاعضاء. وإن أي توصية أو قرار تتخذه الهيئة الاتحادية يشترط لنفاذه موافقة كل دول الاتحاد. وعليه لا تعد الهيئة العليا دولة مركزية تضم الدول الاعضاء؛ اذ إن حق الانفصال مكفول وثابت لكل دولة عضو وحتى دون اشتراط النص عليه في المعاهدة.[17]

وعليه، فإن المعاهدة أو الاتفاقية هي أساس نشأة الاتحاد الاستقلالي وتبين الأهداف المشتركة للدول مثل ضمان استقلال كل دولة والدفاع عن أمنها الخارجي والعمل على تحقيق مصالح اقتصادية متبادلة وهذا تشرف عليه الهيئة سواء كانت جمعية أو مؤتمر أو مجلس يتكون على أساس المساواة بين الدول الأعضاء بغض النظر عن قوتها أو مساهمتها أو عدد سكانها، ولا تغير الهيئة فرق دول الأعضاء ولكن تبقى مجرد مؤتمر سياسي والقرارات التي تصدرها بإجماع الدول في الغالبية .

ومن جهة أخرى، فإن الهيئة المشرفة على الاتحاد يقتصر دورها على الدور الاستشاري، وذلك من خلال تحديد السياسة المشتركة للدول الأعضاء، ويتم هذا التحديد عادة من خلال توصيات لا تكون قابلة للتنفيذ ما لم تحصل على موافقة الدول الأعضاء فيها، ولذا لا تكون هذه الهيئة بمثابة دولة فوق الدول الأعضاء.

كذلك، تبقى كل دولة محتفظة ومتمتعة بسيادتها الداخلية كاملة، وشخصيتها الدولية لها الحق في التمثيل السياسي مع الغير وعقد المعاهدات بشرط أن لا تتعارض مع مصالح و أهداف الاتحاد.

أما رعايا كل دولة من الاتحاد, فيظلون محتفظين بجنسيتهم الخاصة لأن العلاقة بينهم مجرد ارتباط تعاهدي، وحسب رأي الفقه أن حق الانفصال للدول تقرره حسب ما تراه مناسباً ومتماشياً مع مصالحها الوطنية. ويأتي ذلك انطلاقاً من أن كل الدول الأعضاء تحتفظ بسيادتها فإنه يترتب على ذلك حق كل دولة منها في رفض الالتزام بأي عمل أو قرار أو إجراء من جانب السلطات الكونفدرالية إذا ما وجدت الدولة ذات العلاقة بأن ذلك خارج عن أحكام وثيقة الاتحاد، كما يترتب عليه أيضاً حقها في الانفصال عن الاتحاد إذا رأت في بقائها واستمرار عضويتها ما يخل بسيادتها وحقوقها الاقليمية.

ولكل دولة من دول الاتحاد تصريف شؤونها الخارجية مستقلة عن باقي الدول الأخرى في الاتحاد، والذي يتبع أن القرارات التي يتخذها الاتحاد الكونفدرالي لا تكون ملزمة إلا إذا وافق عليها الأعضاء بالإجماع، وأن الدول التي لم توافق عليها لا يمكن أن تجبر على تنفيذها.

ويوصف الاتحاد الكونفدرالي بالاتحاد الضعيف أو المفكك، وله صفة مؤقتة، باعتباره يجب أن يتحول إلى اتحاد مركزي فدرالي، وبخلاف ذلك يتفكك الرابط الاتحادية وتنفصل الدول الأعضاء، وهو ما استقر عليه أغلب الفقه، والذي يضيفون في هذا الخصوص إلى أن حق الانفصال ممنوح للدول الأعضاء تقرره حسب ما تراه مناسباً ومتمشياً مع مصالحها الوطنية.

ونظام الاتحاد الكونفدرالي ذو طبيعة مؤقتة في الغالب، بحيث لا يمكن أن يستمر بوضعه دائماً، وعليه، ينتظر هذا الاتحاد مصيرين، فإما أن ينتهي بالانفصال وانفراط عقد الاتحاد كما حصل للاتحاد الكونفدرالي الألماني من عام 1815م إلى عام 1866م، وإما أن يتحول إلى اتحاد فدرالي كما حصل للاتحاد الكونفدرالي السويسري القائم سنة 1815م والذي تحول إلى اتحاد فدرالي عام 1848م[18].

المطلب الثاني: الأقاليم التابعة ( ناقصة السيادة):

الدولة ناقصة السيادة هي تلك الدولة التي لا تتمتع بكافة اختصاصات الدولة الأساسية، وذلك لتبعيتها لدولة أجنبية، حيث تباشر الأخيرة بعض اختصاصاتها الخارجية والداخلية.

وعادة ما تكون تلك الدول ناقصة السيادة خاضعة لإشراف دولة اخرى أو منظمة دولية تقوم بمشاركتها في مباشرة بعض شؤونها الداخلية أو الخارجية، لذا توجد فيما بين الدولة ناقصة السيادة وبين دولة أخرى أو منظمة دولية، علاقة قانونية تحد من سيادتها داخلياً أم خارجياً سواء أكانت تلك العلاقة القانونية برضاها أو بدون رضاها.

وتقسم الدول ناقصة السيادة إلى عدة أنواع، هي: الدول التابعة، والمحمية، والموضوعة تحت الانتداب، والدول المشمولة بالوصاية، والدول الموضوعة في حالة حياد دائم، والدول المرتبطة بمعاهدات غير متكافئة.

أ- الدول التابعة:

تعد التبعية نظاماً قانونياً، تنشأ بموجبه رابطة بين دولتين إحداهما متبوعة والأخرى تابعة، بحيث تباشر الدولة المتبوعة عن الدولة التابعة بعض أو كل اختصاصاتها الدولية والداخلية. ولا يوجد في الوقت الحاضر دول تابعة. ومن أهم الامثلة التاريخية على ذلك هي تبعية كل من صربيا، ورومانيا، وبلغاريا، ومصر للدولة العثمانية.

ب-الدول المحمية:

تعد الحماية بمثابة علاقة قانونية ناتجة عن معاهدة دولية، تضع بموجبها دولة نفسها في حماية دولة أخرى أكثر منها قوة، على أن تلتزم الدولة الحامية بالدفاع عن الدولة المحمية، مقابل منحها حق الاشراف على الشؤون الخارجية للدولة المحمية والتدخل في ادارة اقليمها. والحماية على شكلين، هي:

1- الحماية الدولية ( الاتفاقية):

وهي الحماية التي تنشأ بموجب معاهدة تعقد لتنظيم العلاقة بين دولتين متجأورتين تجمع بينهما روابط مشتركة وينتميان إلى حضارة واحدة وتكون إحداهما ضعيفة والأخرى قوية تقوم بالدفاع عنها ضد أي عدوان أجنبي، كما تقوم برعاية مصالحها الخارجية. ومن أهم الأمثلة على هذا النوع من الحماية، هي حماية فرنسا لإمارة موناكو بموجب معاهدة عام 1918، وحماية إيطاليا لجمهورية سان مارينو بموجب معاهدة عام 1898، والحماية المشتركة بين فرنسا واسبانيا على أندورا، وحماية سويسرا لإمارة ليخشتشاين*.

2-الحماية الاستعمارية:

وهي الحماية التي تفرض لتحقيق أغراض استعمارية وتهدف إلى ضم الاقليم الذي يوضع تحت الحماية إلى الدولة الحامية. وتفرض هذه الحماية من جانب واحد، أو من خلال استخلاص موافقة الدولة المحمية على ابرام معاهدة الحماية لتضفي على مركزها شيئاً من الشرعية يمكنها من مواجهة الدول الاجنبية. ومن أهم الأمثلة على هذا النوع من الحماية، هي حماية بريطانيا في أواخر القرن التاسع عشر لإمارات ومشايخ الخليج العربي، وإمارات عمان بموجب معاهدة عام 1891، وقطر بموجب اتفاقية عام 1916، والبحرين بموجب معاهدة عام 1820، والساحل المتصالح ومحميات عدن. وحماية بريطانيا لمصر في 18 كانون الثاني 1914 التي استمرت حتى 1922. وحماية فرنسا لتونس عام 1881، ولمراكش عام 1912 التي استمرت حتى 1956.

ويتوجب على الدول الحامية التزامات، وهي:

1- تتولى الدولة الحامية القيام بالتمثيل الدبلوماسي للدولة المحمية.

2- تقوم الدولة الحامية بإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية باسم الدولة المحمية.

3- تقوم الدولة الحامية بتمثيل الدولة المحمية في المنظمات والمحافل الدولية.

4- تتولى الدولة الحامية الدفاع عن إقليم الدولة المحمية ضد أي اعتداء خارجي والحفاظ على كيان حكومتها.

5- تتحمل الدولة الحامية تبعة المسئولية أمام الدولة الأجنبية والمنظمات الدولية عن تصرفات الدولة المحمية.

أما حقوق الدولة المحمية، فهي[19]:

1- عدم فدان الدولة المحمية لشخصيتها الدولية.

2- إشراف الدولة المحمية على شئونها الداخلية عن طريق حكومة محلية.

3- لمواطني الدولة المحمية جنسية مستقلة عن جنسية الدولة الحامية.

ج- الدول الموضوعة تحت الانتداب:

ظهر نظام الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى، ليطبق من قبل الدول المنتصرة بإشراف عصبة الأمم على الولايات التي انفصلت عن الامبراطورية العثمانية، وعلى المستعمرات الألمانية، بعد خسارتهم لتلك الحرب.

ووفقاً لنصوص فقرات المادة (22) من عهد العصبة، يكون طابع الانتداب متفاوتاً بحسب مرحلة تقدم الشعب والموقع الجغرافي للإقليم وأحواله الاقتصادية. لذا فقد قسم الانتداب إلى ثلاثة فئات، هي:

1- الانتداب من فئة ( أ ): يشمل الولايات التي انفصلت عن الامبراطورية العثمانية، وبلغت درجة من التطور بحيث يمكن الاعتراف بها مؤقتاً كأمم مستقلة، شريطة أن تسترشد في إدارة شؤونها بمساعدة الدول المنتدبة، حتى تتمكن من الحصول على استقلالها. وقد طبق هذا النوع من الانتداب على العراق وشرق الأردن وفلسطين فقد وضعت تحت الانتداب البريطاني، ولبنان وضعت تحت الانتداب الفرنسي.

2- الانتداب من فئة ( ب ): يشمل شعوب أقاليم وسط قارة افريقيا، حيث أخضعت مباشرة لإدارة الدولة المنتدبة . وقد طبق هذا النوع من الانتداب على الكاميرون وتوغو وتنجانيقا ورواندا.

3-الانتداب من فئة ( ج ): يشمل شعوب أقاليم جنوب غرب قارة افريقيا وبعض جزر المحيط الهادي، حيث تقرر اخضاعها إلى قوانين الدولة المنتدبة باعتبارها جزءاً من أراضيها.

ويجمع المؤرخون على أن الانتداب اتخذ ستاراً لرغبة دول الحلفاء في السيطرة على البلاد التي كانت واقعة تحت السيطرة العثمانية. وفي تموز 1920 احتلت فرنسا سوريا بالقوة وفرضت عليها الانتداب عملياً. وبعد ذلك بعامين، اعترفت عصبة الأمم رسمياً بالانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان. ولم تعترف فرنسا بالاستقلال السوري إلا عام 1943 في الحرب العالمية الثانية، ولم تجلُ القوات الفرنسية جيوشها عن الأراضي السورية حتى نيسان 1946.

د- الدول المشمولة بالوصاية:

الوصاية الدولية مصطلح سياسي قانوني دولي؛ يقصد به خضوع إقليم معين لإدارة دولة أخرى، طبقاً لشروط خاصة تتضمنها اتفاقية تعقد بينهما ويشرف على تنفيذها “مجلس الوصاية” التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

أنشأت منظمة الأمم المتحدة نظام الوصاية الدولي ليطبق تحت اشرافها، ولقد نظم الميثاق هذا النظام، حيث حدد الأقاليم التي يجوز وضعها تحت هذا النظام أو تطبيقه عليها، وهي[20]:

  • الأقاليم التي كانت خاضعة تحت نظام الانتداب أو المشمولة به.
  • الأقاليم التي اقتطعت من دول الاعداء نتيجة للحرب العالمية الثانية.
  • الأقاليم التي تضعها بمحض اختيارها دولا مسؤولة عن ادارتها، تحت نظام الوصاية الدولي.

لقد أدخلت في نظام الوصاية الدولي الأقاليم التي كانت مشمولة بنظام الانتداب من فئتي (ب و ج ) في عامي 1946-1947. كما وضعت تحت الوصاية كل من الصومال حتى استقلاله عام 1960، وليبيا حتى استقلالها عام 1952، واريتيريا حتى دخولها في اتحاد فيدرالي مع الحبشة عام 1952، ومن ثم استقلالها عام 1993.

ومهما كانت شروط الوصاية فهي لا تعطي الدولة التي يعهد إليها بالوصاية، حق السيادة على الاقليم، بل فقط حق الادارة، لتحقيق أهداف نظام الوصاية الدولي، وقد يتسع مدى هذا الحق أو يضيق وفقاً لظروف كل اقليم دون أن يؤثر ذلك على بقاء الاقليم محتفظاً بكيانه القانوني الخاص، وفي احتفاظ سكانه بجنسيتهم.

أهداف نظام الوصاية الدولي:

تجسدت أهداف نظام الوصاية الدولي، بما يأتي[21]:

1- توطيد السلم والأمن الدولي.

2- العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، واطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقاً لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية.

3- التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء.

4- كفالة المساواة في المعاملة في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لجميع أعضاء “الأمم المتحدة ” وأهاليها والمساواة بين هؤلاء الأهالي أيضاً فيما يتعلق بإجراء القضاء.

هـ- الدول الموضوعة في حالة حياد دائم:

يعرف الحياد على أنه الوضع الذي تمنع بموجبه دولة ما من المشاركة في الحرب ومن التحيز لأي من الفريقين المتحاربين. وهو على نوعين: مؤقت ودائم.

فالحياد المؤقت الذي تعلنه إحدى الدول عندما تكون هنالك حرب قائمة بين دول أخرى، وهذا الحياد اختياري ويكون لفترة زمنية محدودة بفترة الحرب ذاتها. كما فعلت البرتغال وتركيا والسويد خلال الحرب العالمية الثانية، أو قد تنتهي بقرار الدولة بالخروج من الحياد بالوقوف إلى جانب أحد الأطراف المتحاربة كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

أما الحياد الدائم فهو الحياد الذي تلتزم بموجبه الدولة بصورة دائمة، استناداً إلى معاهدة دولية، بعدم ممارسة اختصاصات الحرب عند قيامها بين دول أخرى، وذلك مقابل ضمان سلامتها. وقد تبني نظام الحياد الدائم في أوربا خلال القرن التاسع عشر لتحقيق غرضين، هما[22]:

  • حماية الدول الضعيفة التي يعد وجودها ضرورياً للمحافظة على التوازن الدولي.
  • حماية السلم الدولي بإيجاد دولة عازلة تفصل بين دولتين قويتين أو معروفتين بعدائهما الدائم لبعضهما.

ومن أمثلة الدول التي تبنت نظام الحياد الدائم في الوقت الحاضر، هي : سويسرا والنمسا. فلقد تقرر وضع سويسرا في حالة الحياد الدائم منذ مؤتمر فيينا لعام 1815، وتم تأكيده في المادة (435) من معاهدة فرساي، والمادة (375) من معاهدة سان جيرمان. وتم احترام حياد سويسرا خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. أما النمسا فقد وضعت في حالة الحياد الدائم منذ معاهدة الصلح التي أبرمت معها عام 1955. وصدر الدستور النمساوي بتاريخ 26 تشرين الأول 1955، معلناً الحياد الدائم للنمسا واستقلالها، وقد اعترفت الدول الكبرى لها بذلك.

و- الدول المرتبطة بمعاهدات أو اتفاقيات غير متكافئة:

يعد أسلوب ربط الدول الضعيفة بمعاهدات غير متكافئة من الأساليب الحديثة التي تعتمدها الدول القوية في الحفاظ على مصالحها الحيوية. ولعل من أبرز أنواع هذه المعاهدات هي: معاهدات اقامة القواعد العسكرية، ومعاهدات تقديم المساعدات العسكرية، ومعاهدات المساعدات الفنية والاقتصادية، وغيرها.

الأصل هو أن تعقد الدول فيما بينها اتفاقيات متكافئة، في المراكز التعاقدية وفي الالتزامات والامتيازات، وفي الحقوق والواجبات الناجمة عنها. وبعكس ذلك، تكون الاتفاقيات غير المتكافئة، منطوية على انعدام التوازن بين المراكز التعاقدية، وعلى قدر معين من الغبن، وعدم العدالة، وقد يمتد تأثيرها السلبي إلى الحد من حرية الدولة الطرف الأضعف في التصرف أو في ممارسة سلطتها فيما يتعلق ببعض المسائل خاصة في ميادين السياسة الأمنية والعسكرية والاقتصادية … وغيرها.

ولنتذكر هنا المعاهدات والاتفاقيات غير المتكافئة، التي كان جوهرها نظام الامتيازات الأجنبية، وقد استخدم هذا النظام كذريعة يخفي ورائه هدف التمهيد للاستعمار بمختلف أشكاله وأنواعه، أو الإبقاء عليه، واستغلال بعض الدول الضعيفة من قبل الدول الكبرى.

إن مواضيع مثل: الضمان الأمني، والحماية، والقواعد العسكرية، والمعونة والمساعدات الاقتصادية، يمكن أن تكون محلاً لاتفاقية غير متكافئة خاصة إذا تم عقدها بين إحدى الدول الكبرى ودولة صغرى.

ومن أمثلة تلك المعاهدات أو الاتفاقيات غير المتكافئة، معاهدة التحالف البريطانية –العراقية لعام 1930، ومعاهدة التحالف البريطانية– المصرية لعام 1936، ومعاهدة التحالف البريطانية– شرق الأردن لعام 1948، ومعاهدة الولايات المتحدة الامريكية– الليبية لعام 1954 المتعلقة بإقامة القواعد العسكرية في ليبيا، والاتفاقية الامريكية– العراقية للمساعدات العسكرية لعام 1954.

إن الاتفاقية غير المتكافئة يمكن أن تكون حينما تفرضها دولة أقوى على دولة أضعف، ويترتب عليها انتقاصاً مؤقتاً من سيادة الدولة الأضعف في إقليمها وفي شؤون أخرى. وقد تكون تلك الاتفاقيات مقبولة ظاهرياً لكنها في حقيقتها تعد أدوات للاستغلال، والإخضاع السياسي والاقتصادي، بما يمارس فيها من وسائل الضغط المختلفة: العسكرية والسياسية والاقتصادية.

إن الاتفاقيات غير المتكافئة هي تلك التي تتضمن أحد العوامل الآتية:

  • إذا تضمنت نص يحد من مظاهر سيادة الدولة الداخلية والخارجية.
  • إذا تضمنت نص يمنح الطرف الأقوى فرصة عملية للتدخل في الشؤون الداخلية: الأمنية، العسكرية، الاقتصادية، السياسية.. .
  • إذا تضمنت نص يؤدي إلى خضوع الأنظمة القانونية الوطنية إلى أنظمة قانونية أجنبية.
  • إذا وجد فيها عدم تكافؤ في توزيع الحقوق والالتزامات بين الدول المتعاقدة.

ونخلص إلى إنه يتضح في الاتفاقيات غير المتكافئة الاختلال في المراكز التعاقدية، بما يؤدي إلى إهدار المصالح الحيوية لأحد الأطراف نتيجة للتباين في القوى التفاوضية بين الأطراف وقت عقدها، مما يحول دون تعبيره عن إرادته الحقيقية. خاصة وأنه في عقد كل اتفاقية دولية، لابد أن يراعي مبدأ المصالح المتبادلة، ومبدأ الأهداف المشتركة.

إن الاتفاقيات غير المتكافئة تشكل انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة بسبب ما تقوم عليه من انعدام التكافؤ بين التزامات الطرفين، مما يسبب للشعوب التي ترى حقوقها ومصالحها قد هضمت في هذه الاتفاقيات شعوراً بالغضب والكراهية فتؤدي بذلك إلى تهديد السلم العالمي. لذا استقر العمل الدولي وما أكدته التجارب التاريخية في هذا الشأن، على أن أية معاهدة أو اتفاقية تقيد في نظر أي طرف من أطرافها استقلال الدولة وسيادتها تعد باطلة ولاغية. ولعل من أمثلة ذلك ما يأتي:

– إلغاء الصين بتاريخ 27 تشرين الأول 1926 لمعاهدة 1865 المعقودة مع بلجيكا، بسب عدم التكافؤ، وتغيير الظروف.

– عدم مشروعية معاهدة الضمان المعقودة بين قبرص من جهة واليونان وتركيا والمملكة المتحدة من جهة أخرى في 16 آب 1960، ومخالفتها لأحكام ميثاق الأمم المتحدة.

– معاهدة التحالف البريطانية العراقية لعام 1930 التي ألغيت في 5 نيسان 1955.

المبحث الثالث: المناطق السياسية الخاصة

هناك أشكال من السيطرة السياسية تندرج تحت تصنيف المناطق السياسية الخاصة في العالم، ومن هذه المناطق:

المطلب الأول: المناطق الحرة

المنطقة الحرة هي حيّـز جغرافي محدد تستفيد فيه الشركات من مجموعة من التحفيزات بالمقارنة مع الشركات العاملة في وسط ضريبي وقانوني عادي. وتعمل المناطق الحرة بطرق مختلفة منها الموانئ الحرة والمناطق التجارية الحرة (التي تشكل المجموعة الأقدم من المناطق الحرة).

برز مفهوم المنطقة الحرة على الوجه الذي نعرفه اليوم في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تقريباً، ونعني هنا بالمنطقة الحرة: المنطقة الاقتصادية أو التجارية المنشأة داخل بلد معين بحيث تكون مسورة ( محاطة بحاجر حقيقي أو وهمي)، الهدف منها تسهيل وتنمية التجارة الخارجية، حيث تعد هذه المنطقة المسورة وكأنها خارج حدود أراضي الدولة، فكل ما يدخل إليها من سلع يعد كأنه لم يلج أرض الدولة بعد، فيعلق بناء على ذلك استيفاء أية رسوم أو ضرائب أو جمارك على تلك السلع ( كونها لا تزال تعد وكأنها خارج أرض الدولة)، والهدف من ذلك كما قلنا هو تنشيط التجارة الخارجية وتسهيل دخول السلع للدولة وكذلك تقوية تجارة الترانزيت، حيث تعمل المنطقة الحرة في حالة تجارة الترانزيت كمحطة بين مصدر ومستورد في بلدين غير البلد الذي فيه المنطقة الحرة وعلى سبيل المثال قيام تاجر في المنطقة الحرة في دبي باستيراد ألعاب مثلاً من بكين من أجل إعادة تصديرها إلى القاهرة مثلاً[23].

لقد أنشئت المناطق الحرة لتكون آلية للتخطيط بغية المساهمة في التنمية الاقتصادية. وإن للمناطق الحرة إيجابياتها كما أن لها سلبياتها. ورغم أن العصور الوسطى، وملوك الامبراطورية الرومانية، عرفوا نوعا من المناطق الحرة التي خلقوها لتزيد في تدفق البضاعة في بلدانهم، إلا أن العصر الحديث شهد تطوراً لافتاً لهذه الظاهرة الاقتصادية. وقد مثلت شنزهين في الصين (التي أنشئت سنة 1979) إحدى أشهر المناطق الحرة في العالم.

تتميز المناطق الحرة بعظم رقعة أرضها، واشتمالها على كل ما يمكن أن يخطر ببال الزائر لها من التجار، فأنت لو كنت في بلد معين وتريد أن تبدأ تجارة ولا تريد المغامرة بالاستيراد مباشرة من بلد المصدر فيمكنك زيارة المنطقة الحرة في بلدك فستجدها محتوية على سلع كثيرة أتي بها من بلاد مصادرها ويعرضها التجار للبيع بأسعار متدنية مقارنة بسعر السوق حيث أنها كما قلنا لم تدفع عليها أية رسوم او ضرائب أو جمارك، وإنما تجدها متحملة أجور النقل فقط وهامش ربح بسيط لتاجر المنطقة الحرة، فإذا ما أردت شراء مثل تلك السلع وبيعها في السوق المحلي عندك فوجب عليك دفع كامل رسومها وجماركها ومن ثم تطرحها للبيع بهامش ربح مناسب لك وحسب وضع السوق المحلي في بلدك.

وتعد زيادة الصادرات واحداً من أهم أهداف المناطق الحرة، فغالبية هذه المناطق عبارة عن تجمعات محددة المكان، معفية من الحقوق الوطنية المترتبة على الإيراد والتصدير، وهي تعمل رسمياً خارج نطاق جمارك البلد الذي توجد فيه. وتقوم الحكومات في البلدان التي توجد بها مناطق حرة بالكثير من التحفيزات من بينها ما هو ضريبي وما هو تنظيمي وما هو إداري وما هو مالي بغية جلب الاستثمارات.

أولاً: أنواع المناطق الحرة

يوجد أربعة أنواع من المناطق الحرة: مناطق التبادل الحر، المناطق الحرة الصناعية للتصدير، المناطق الاقتصادية الخاصة، والمناطق الصناعية[24].

1- مناطق التبادل الحر: توجد في الغالب بمحاذاة الموانئ أو المطارات، وتمنح فرصاً للإعفاء من الضرائب الوطنية على الاستيراد والتصدير بخصوص المواد التي يعاد تصديرها.

2- المناطق الحرة الصناعية للتصدير: متخصصة في تصدير المواد ذات القيمة المضافة العالية.

3- المناطق “الاقتصادية الخاصة”: فإنها عادة ما تطبق استراتيجية متعددة القطاعات، وهي موجهة إلى السوق الداخلي والسوق الخارجي. وتقدم هي الأخرى تحفيزات كبيرة على شكل بنى تحتية وإعفاء من الضرائب وحقوق الجمركة، كما تستفيد من الإجراءات الإدارية المسهلة.

4- المناطق الصناعية: متخصصة في النشاطات الاقتصادية الخاصة، مثل الإعلام والأقمشة مع بنية تحتية ملائمة.

وتوجد اليوم مئات المناطق الحرة في العالم بأسره. وتعد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المثال الأبرز على نجاحات المناطق التجارية الحرة. فمن مدينة دبي الإماراتية (رائدة الاقتصاد الرقمي في مجال الإعلام والانترنيت)، إلى منطقة طنجة الحرة (بالمملكة المغربية)، مروراً بمنطقة خليج السويد بمصر، هناك إنجازات اقتصادية ملموسة حققتها فكرة المنطقة الحرة على صعيد التبادل التجاري والاستثمارات.

ثانياً: الفوائد المترتبة على المناطق الحرة[25]

المنطقة الحرة تمنح جملة من الاستفادات من بينها، بالنسبة للأجانب، مرونة القوانين المتعلقة بالملكية العقارية، وسهولة الإجراءات الإدارية، وشفافية سوق العمل، وإلغاء القوانين والنظم الخاصة بالعقود المحدودة زمنياً.

ولإعطاء أمثلة على التشجيعات التي تقدمها المناطق الحرة نأخذ الجزائر ومصر والكويت والإمارات التي تعفي تماماً من الضرائب كل العائدات والشركات الأجنبية المستثمرة في مناطقها الحرة. وفي لبنان والمغرب واليمن يُعد المستثمرون معفيين من الضرائب على الشركات لمدد تختلف من بلد لآخر. وبالنسبة لليمن فإن الدولة تلغي تماماً ضريبة عائدات العمال الأجانب، فيما تعفيهم الأردن من تلك الضرائب لمدة 12 سنة.

ثالثاً: شروط نجاح المنطقة الحرة

لا يمكن للمنطقة الحرة أن تنجح إلا إذا كان الوسط ملائماً من حيث السياسات المايكرو اقتصادية، وأسعار الصرف، وقوانين الملكية الخاصة، وقوانين الاستثمار، والنظم المتعلقة بسوق العمل، ومردودية الرأسمال البشري، وتوفر الأمن، واستقلال وصرامة القضاء.

ويجب أن يكون سعر المكالمات والماء والكهرباء رخيصاً إن لم يكن مجانياً على الأقل في السنوات الأولى لقيام أية منشأة صناعية أو استثمارية من أجل تشجيعها على البقاء وتشجيع مثيلاتها على الاستثمار في المنطقة.

ومعروف أن المناطق الحرة تمنع ميزانية الدولة من جزء من الضرائب والرسوم. وبالتالي فقبل البدء في العمل بأية منطقة حرة يكون لزاماً تحليل المردودية الاستفادات ومقارنتها بما ستخسره الدولة من نقص في الضرائب ومن بنى تحتية مسؤولة عن إقامتها على نفقتها كشرط لقيام منطقة حرة قادرة على جلب المستثمرين والموردين والمصدرين.

إن جذب الاستثمارات والمستثمرين يظل هدفاً كبيراً بالنسبة للمناطق الحرة، لكنه يشكل وبالاً إن لم يتم استغلاله لصالح الاقتصاد الوطني بشكل عام وبكل قطاعاته وعلى عموم التراب الوطني.

ويجب على المناطق الحرة أن توفر بنى تحتية جيدة ومقنعة ومنافسة في ميادين الطرق والاتصالات وشبكة المياه والنقل العمومي والمستشفيات والمدارس… ما ستكون فاتورته باهظة على الدولة.

ولابد لحكومة تريد صنع منطقة حرة قادرة على منافسة المناطق الحرة المنتشرة في العالم أن تقيم منشآت جيدة وتقدم سياسة مقنعة بالنسبة لأصحاب الاستثمارات. وقد يتطلب الأمر، مثلاً، منح قطع أرضية مجانية للشركات الأجنبية وضمان معاملة إدارية متميزة لصالح هذه الشركات…

رابعاً: المآخذ على المنطقة الحرة

يعتبر مناهضو الليبرالية أن المناطق الحرة ليست إلا طعاما مسمماً يقدمه الفكر الرأسمالي إلى البلدان النامية للاستفادة منها على حسابها. ويرى هؤلاء أن المؤسسات القوية، الغربية أساساً، تتحرر في مثل هذه المناطق من وصاية وسلطة وحضور الدولة التي عادة ما تحرجها في نشاطاتها الاقتصادية من خلال الإكراهات الإدارية والقانونية والضريبية. ويؤكد هؤلاء أن المناطق الحرة تمنح الشركات إمكانية استغلال العمال ببشاعة لصالح أصحاب الأسهم.

ويرى الليبراليون أن تراجع الدولة لصالح الاستثمار شيء مفيد في المناطق الحرة، وأن هذه المناطق هي أحسن وسيلة لخلق ميكانيزمات عملية تخفف من سلطان الدولة الذي يشكل عبئاً على الاستثمارات، وأن المناطق الحرة تعد وسيلة مثلى للتخفيف من وطأة الأزمات الاقتصادية وتنمية البلدان.

خامساً: الفقراء والمناطق الحرة

بعض الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية، تختار المناطق الحرة حسب حاجة البلدات والمدن. ويُنظر عند اختيار المنطقة الحرة في مثل هذه البلدان إلى مستوى الفقر الذي يجب أن يتجاوز الـ 25% من عدد السكان كي تتمكن المنطقة وساكنوها من الاستفادة الفعلية مما توفره المنطقة الحرة، كما أن هذه البلدان تنظر أيضاً إلى مستوى البطالة الذي يجب أن يتجاوز الـ 50% من المعدل الوطني ليكون من حق المنطقة الحصول على منطقة حرة خاصة بها عن بقية مقاطعات وولايات الوطن. إن مثل هذه المعايير يضمن للأماكن الأكثر فقراً أن تستفيد، ويمنع الأماكن الأكثر رفاهية من أن تستفيد حصرياً على حساب المناطق الفقيرة. فالدولة في مثل هذه الحالة تقوم بموازنة لصالح المناطق الأكثر فقراً وهشاشة[26].

وترفض الدول التي تعتمد هذه الصيغة تطبيق بعض المعايير اللازمة في المناطق الحرة عموماً مثل النظافة وتحديد عتبة الرواتب، وتكتفي بتخفيف الضرائب وتسهيل بعض الإجراءات في مجالات الإدارة والعقارات.

سادساً: المناطق الحرة الحضرية

يوجد في بعض البلدان، كفرنسا، ما يعرف بـ”المناطق الحضرية الحرة” التي يزيد سكانها على 10 آلاف نسمة وتعتبر على المستوى الوطني مهمشة بحيث تكثر فيها البطالة ويكثر فيها التسرب المدرسي. وتتمتع المؤسسات العاملة في مثل هذه المناطق بجملة من الاستفادات كالإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات لصالح الأسعار والعمالة وبالتالي لصالح السكان الذين يعتبرون فقراء في بلدهم.

المطلب الثاني: المناطق المدولة

طبقاً لمعجم المصطلحات القانونية (كورنو، جيرار) فإن مفهوم التدويل مشتق من الفعل (internationalize) والذي يعني: نظام يطبقه فريق من الدول أو منظمة دولية على مدى معين، مدينة، إقليم،.. الخ.

فالتدويل يعني الاشتراك بين طرفين دوليين في تنظيم شأن قانوني معين، أو نقل أمر قانوني داخلي إلى أمر دولي، ويعني أن المنطقة المدولة تخرج من السلطة والنطاق الوطني إلى النطاق الدولي بما يشمله ذلك من مشاركة دولية في إدارة المنطقة المدولة خارج نطاق القضاء الوطني الذي كانت تخضع له المنطقة قبل التدويل، مما يقيد سيادة الدولة التي يقع فيها الإقليم وينتقص منها بخضوعه إلى إدارة مشتركة بين دول تجمعهم اتفاقية إدارة وتوزيع المسؤوليات عن الإقليم الدولي المستحدث.

وقد تطور مفهوم التدويل خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح الاتجاه إلى المؤسسات الدولية كوسيلة لحل الأزمات وتجنب الحروب والمواجهات العسكرية بين الدول لحل المشاكل والتقليل والتخفيف من النزاعات.

المطلب الثالث: مناطق الإدارة المشتركة (الكوندومنيوم)

الكوندومينيوم مصطلح لاتيني في السياسة الدولية – الدولة التى يتقاسم سيادتها قوتان/ دولتان أو أكثر دون أن يتم تجزئتها إلى أقاليم وطنية. ويعاب على أنموذج الحكم الثنائي اسرافه فى الحالة النظرية وعدم الواقعية لعدم وجود المثالات الواقعية بحكم قلة التوافق بين إرادات السيادات المتصارعة على لعبة المصالح الوطنية. وانتقل المفهوم إلى الانجليزية عام 1714 من أصل لاتيني بعد أن اشتق من الألمانية من عبارة “كوم” عام 1700 وتعنى ” سوياً وأضيف إليها عبارة ” دومينيوم” وتعني ” حق الملكية”[27].

ومن أمثلة الكوندومينيات المعاصرة بحر قزوين المطل على 5 دول وأجزاء من خليج فونسيكا والبحر الإقليمي الذى يشكل نطاقاً ثالوثياً بين سلفادور ونيكاراجوا وهندوراس، واندورا التى تعد بحكم القانون الفرنسي نطاقاً سيادياً ثنائياً بين فرنسا واسبانيا، ولكنها الآن إمارة ذات سيادة لا تخضع لملكية أي دولة أجنبية؛ ولكن يتقاسم منصب رأس الدولة فيها أجنبيان.

دولة كرواتيا المستقلة حالياً كانت تحت الحكم الثنائي الألماني- الإيطالي على أيام النازية والفاشية خلال الفترة التى امتدت ما بين ( 1941-1943)؛ والبوسنة والهرسك كانت محكومة ثنائياً من قبل النمسا والمجر خلال الفترة (1908-1918).

ومن أمثلة الكوندومينيات القديمة الاتفاق الذى توصل إليه عام 688 م الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مع الامبراطور الروماني جوستينيان والذى بموجبه تم فرض الحكم الثنائي العربي- الروماني على جزيرة قبرص المشطورة حالياً بين تركيا واليونان؛ وتم اقتسام العائدات الضريبية مدة 300 عام. وهنالك جيب إقليمي فى جزيرة العرب تتقاسم سيادته كل من عمان وإمارة عجمان. وفى أفريقيا كانت توغو-لا ند تحت الحماية الثنائية البريطانية- الفرنسية عام 1914، بعد أن كانت محمية ألمانية منذ عام 1905. وظلت محكومة ثنائياً إلى تاريخ تقسيمها عام 1916 إلى دوائر نفوذ بريطاني وفرنسي لتنبثق منها دولتان.

مراجع

[1] – Diamond, Jared (2005). Collapse: How Societies Choose to Fail or Succeed. New York: Penguin (Non-Classics). pp. 495–496

[2] – Daniels, John (2007). International business: environments and operations. Prentice Hall. p. 126.

[3]– شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[4] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[5] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[6]– شاهر إسماعيل الشاهر وآخرون، الدولة السورية والتحيات الراهنة، دمشق: مركز الدراسات العسكرية، 2017.

[7] –  شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[8] – فتحي أبو عيانة، الجغرافيا السياسية، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1995،  ص 137.

[9] – الشافعي محمد بشير، نظرية الاتحاد بين الدول وتطبيقاتها بين الدول العربية، الاسكندرية: منشاة المعارف،  ص 8.

[10] – محمد الهماوندي، الحكم الذاتي والنظم اللامركزية الإدارية والسياسة، ط1، 1990، ص159.

[11] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[12] – علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، الإسكندرية: منشأة المعارف، ط 7، 1965، ص 127.

[13]– شاهر إسماعيل الشاهر وآخرون، الدولة السورية والتحيات الراهنة، دمشق: مركز الدراسات العسكرية، 2017.

[14] – روبرت م. ماكيفر، تكوين الدولة، ترجمة: حسن صعب، منشورات دار العلم للملايين، ط2، 1984، ص203.

[15] – حسن النصار، النظام السياسي والقانون الدستوري، القاهرة: مطبعة دار العالم العربي، ص119.

[16] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[17] – محمد مرسي الحريري، دراسات في الجغرافية السياسية، الاسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1993،

ص 224.

[18] – الشافعي بشير، مرجع سابق، ص32.

* – إمارة ليختنشتاين أو ليشتنشتاين (بالألمانية: Liechtenstein) هي دولة غير ساحلية تقع في جبال الألب في أوروبا الوسطى. تحدها سويسرا إلى الغرب والجنوب والنمسا في الشرق. تزيد مساحتها قليلًا عن 160 كيلومتر مربع ويقدر عدد سكانها بنحو 35,000 نسمة. عاصمة الدولة هي فادوز ولكن شان هي أكبر المدن. تمتلك ليختنشتاين ثاني أعلى ناتج محلي إجمالي للشخص الواحد في العالم من حيث تعادل القدرة الشرائية كما تمتلك أدنى دين خارجي في العالم. كما تمتلك ليختنشتاين ثاني أدنى معدل للبطالة في العالم بنسبة 1.5% (حيث موناكو الأولى).

[19] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[20] – شاهر إسماعيل الشاهر، السياسة الخارجية السورية (2000-2010) عقد التحديات الكبرى، دمشق: دار العراب، ط1.

[21] – شاهر إسماعيل الشاهر، الدولة في التحليل السياسي المقارن، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2015.

[22] – علي صادق أبو هيف،  القانون الدولي الحديث، ط11، ص 879- 887.

[23] – شاهر إسماعيل الشاهر، عـلــم الـدولـة: دراسة في الجغرافية السياسية، عمان: دار الاعصار العلمي، 2018.

[24] – Millen, Joyce and Timoth Holtz, “Dying for Growth, Part I, The Politics of Globalization, ed. Mark Kesselman, Hougton Mifflin, 2007

[25] – محمد فال ولد سيدي ميله، “المنطقة الحرة: أهدافها، فوائدها وشروط نجاحها“، وكالة صحفي للأنباء، 1 تموز 2013، على الرابط: http://www.souhoufi.com/article9039.html

[26] – شاهر إسماعيل الشاهر، الدولة في التحليل السياسي المقارن، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب، 2015.

[27] – شاهر إسماعيل الشاهر، “من “دولة السلطة” و”سلطة الدولة” …إلى الأناركية… لماذا فقدت السلطة قيمتها…؟”، مجلة الفكر السياسي، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، العدد 48-49، خريف 2013.

المصدر
المركز الديمقراطي العربي
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: