النيجر والحرب المُحتملة
اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر
أُعلن في 27 أغسطس 2023 أنه قد يجتمع الرئيس بولا تينوبو ونظيره الأمريكي جو بايدن لمناقشة التدخل العسكري في جمهورية النيجر وذلك من بين الخيارات المتاحة أمام المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) لاستعادة الحكم الديمقراطي في النيجر وقد كُشف عن ذلك المبعوثة الخاصة للرئيس الأمريكي ومساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية السفيرة مولي في تينوبو بعد أن زارت أبوجا في 26 أغسطس 2023 حيث قدمت “دعوة حصرية” من بايدن للقاء الرئيس النيجيري (الرئيس الحالي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لتعزيز المناقشات حول أزمة النيجرفي أواخر سبتمبر, وقد قبل رئيس نيجيريا هذه الدعوة قائلا :
إن العمل على تحسين الديمقراطية لم يتم أبدا حتى في الديمقراطيات المتقدمة كما حدث مؤخرا في أمريكا فضلا عن الديمقراطيات الناشئة الأخرى في العالم كما نصح رئيس نيجيريا المبعوثة فيي بالتأكد علي أن السياسة الأمريكية متعاونة بشكل متعمد مع الديمقراطيات الأفريقية المستقلة في وقت تتعرض فيه هذه الأخيرة لهجوم من قبل القوى المناهضة للديمقراطية داخل القارة وخارجها , وأكد الزعيم النيجيري أن الأزمة في جمهورية النيجر لن تردعه عن إتمام برنامجه للإصلاح الاقتصادي بنجاح لصالح النيجيريين وأنه لا يأخذ أي إشارة من أي دولة ولكنه لن يؤدي إلا إلى تعزيز مصلحة الدولة النيجيرية في نهجه تجاه تعامل الإيكواس مع الأزمة الإقليمية , وأكد قوله : “إننا ماضون في محاولاتنا لتسوية القضية سلمياً في النيجر من خلال الاستفادة من أدواتنا وما زلت أعوق المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على الرغم من استعدادها لجميع الخيارات من أجل استنفاد جميع آليات العلاج الدبلوماسية الأخرى فالحرب” ليست مثالية بالنسبة لي” وأكد رئيس نيجيريا ورئيس الإيكواس أن “إجماع الإيكواس هو أننا لن نسمح لأي شخص بشراء الوقت بشكل غير صادق ” .
يُلاحظ أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بدأت في النزول من الذروة الأولية للتدخل العسكري في النيجر وترى بدلاً من ذلك إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي فمنذ 26 يوليو2023كانت النيجر في قلب العاصفة بعد أن أطاح الجيش برئيس منتخب مما أدى إلى فرض عقوبات من مجموعة إيكواس , وفيما يلوح أنصار المجلس الوطني لحماية الوطن بالأعلام الروسية والنيجرية أثناء تجمعهم لمظاهرة في نيامي عاصمة النيجر بالقرب من قاعدة جوية فرنسية في 11 أغسطس 2023بدأت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في النزول من الذروة الأولية للتدخل العسكري في النيجر لأنها رأت بدلاً من ذلك إمكانية التوصل إلى حل دبلوماسي فقد أشار الرئيس النيجيري بولا تينوبو في 24 أغسطس2023وهو أيضا رئيس إيكواس إلى مواصلة الدبلوماسية بعد السماح لوفد من رجال الدين بالعودة إلى نيامي للتحدث مع المجلس العسكري وكان هؤلاء الباحثون هناك بالنيجر وساعدوا بعد ذلك في نقل الجانب العسكري من القصة بما في ذلك سبب رفضهم في البداية إجراء محادثات مع مبعوثي إيكواس وأعلن عبد السلام أبو بكرالمبعوث الخاص لمجموعة إيكواس بشأن المأزق السياسي في النيجر في 22 اغسطس2023 أن الحل الدبلوماسي أصبح في متناول اليد بشأن الأزمة التي عصفت بالبلاد وقال أبو بكر للصحفيين إن المناقشات مع المجلس العسكري أظهرت إشارات إيجابية وقال أبو بكر بعد تقديم تقرير عن الوضع إلى الرئيس تينوبو: “يجب أن أقول إن زيارتنا إلى النيجر كانت مثمرة للغاية وفتحت المجال لبدء المحادثات ونأمل أن نصل إلى مكان ما” , منناحية أخري يُذكر أن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي أيد عقوبات إيكواس لكنه بدلا من القول إن المجلس العسكري يجب أن يعيد السلطة إلى بازوم قال إنه يجب إطلاق سراحه وعودة العسكريين إلى ثكناتهم وقد فُسر ذلك على أنه يعني الاستعداد لإجراء حوار مع المجلس العسكري بشأن انتقال مدني محتمل .
كشف الانقلاب الذي وقع في النيجر في 26 يوليو2023 مرة أخرى عن أزمة التعددية في أفريقيا فالتطورات السياسية والأمنية في النيجر وغيرها من البلدان الأفريقية أكدت معضلات الأمن الجماعي في القارة وأوجه القصور التي تعيب بنياتها الخاصة بالسلام والأمن والحكم فقد كانت هناك انقسامات قوية بين أصحاب المصلحة الأفارقة حول الرد المناسب على الانقلاب في النيجرالأمر الذي يدل على تآكل الإجماع الذي تم التوصل إليه في إعلان لومي في يوليو 2000 بشأن التغييرات غير الدستورية للحكومة , وقد كان الاستيلاء العسكري على السلطة في النيجر هو السادس في غرب أفريقيا خلال عامين وأظهر مدى هشاشة الحكومات التي يعتد معظمها نموذج شكلي أو صوري للديموقراطية , وفي معرض بيان الديموقراطية الصورية في أفريقيا يُذكر أن Josep Borrell الممثل الأعلي للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي قال أنه لن يكون هناك مراقبون أوروبيون في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في 5 يونيو في إثيوبيا إذ لم يحصل الاتحاد الأوروبي على جميع ضمانات حرية العمل لمراقبيه ومع ذلك قررت أوروبا الحفاظ على الدعم المالي البالغ 20 مليون يورو الممنوح للعملية الانتخابية الإثيوبية ، ويُضيف السيد Nicolas Beau مؤلف كتب “صديقنا بن علي” أنه رغم كل التوقعات لم نسمع صراخ مفوضية الاتحاد الأوروبي ضد الانتخابات الرئاسية الكونجولية التي فاز بها Denis Sassou في مارس2021 بأكثر من 88٪ ، ولا ضد الانتخابات الرئاسية الجيبوتية التي كرست إعادة الانتخاب في أبريل 2012 إسماعيل عمر جيله بنسبة أكثر من 98٪ , فقد شاهدنا دون جدوى انتقادات من أوروبا ضد المهزلة الرئاسية التي فاز بها Patrice Talon في أبريل في بنين بأكثر من 86٪ من الأصوات وكذلك إنتخابات تشادالتي فاز فيها الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو بأكثر من 79٪ ولا مع تولي المجلس العسكري الانتقالي (CMT) السلطة في N’Djamena بعد وفاة إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل وهو الإنتقال الذي لم ير فيه الاتحاد الأوروبي أنه انتهاك خطير للديمقراطية وهذا الموقف من الإتحاد الأوروبي في مواجهة الانقلاب في تشاد يعكس الانحدار الذي إتضح خلال الانتخابات الرئاسية في الكونجو وجيبوتي وبنين والنيجر ليُؤكد أن هناك تغييراً ما في النموذج الأوروبي منذ وقت ليس ببعيد ، مع أن الاتحاد الأوروبي كثيراً ما دافع عن الديمقراطية في إفريقيا بل وذهب إلى حد جعل المساعدة المستمرة للبلدان مشروطة بإجراء انتخابات شفافة أو تنفيذ إصلاحات تضمن التعددية السياسية فبين عامي 1995 و 2005 ، تم تعليق المساعدات الأوروبية لتوجو لما يقرب من عشر سنوات للمطالبة بمبادرات سياسية قدمتها الدولة في نهاية المطاف لاستئناف هذا التعاون , لكن اليوم نجد أوروبا تتردد في لعب ورقة الحزم هذه خوفًا من تحول الأنظمة الاستبدادية إلى روسيا أو الصين أو تركيا ويدرك بعض الديكتاتوريين الأفارقة هذا الخوف الأوروبي فيستغلونه ومن خلال الاستسلام بسهولة لابتزاز الحكام المستبدين في بعض البلدان الأفريقية تخاطر أوروبا باستبعاد دعم المجتمعات المدنية الأفريقية التي لا تفهم سبب قيام المفوضية الأوروبية بالدفاع عن قيم الديمقراطية والحرية في اليونان والمجروبولندا بينما تُحجم عن ذلك في بنين و الكونجو و جيبوتي و تشاد وغيرهم .
ولأن الديموقراطية مزيفة وليست متأصلة داخل المؤسسات المختلفة في معظم الدول الأفريقية إن لم يكن كلها , لذلك فلا يوجد مانع يمنع الانقلابات العسكرية والمدنية , ففي جمهورية أفريقيا الوسطى مثلاً تم اعتماد دستور جديد يلغي القيود المفروضة على فترات الرئاسة عن طريق استفتاء أُجري في يوليو2023 ولتحقيق هذه الغاية قام الرئيس فوستين آركانج تواديرا بشكل غير قانوني بإقالة رئيس المحكمة الدستورية الذي اعتبر في البداية أن تمديد فترة الولاية غير دستوري وفي الجابون أجريت إنتخابات لفترة رئاسية ثالثة للرئيس علي بونجو(فاز الرئيس علي بونجو البالغ من العمر 64 عاما في هذه الانتخابات بنسبة 64.27% من الأصوات) مالبثت أن وُوجهت بإنقلاب عسكري في 30 أغسطس 2023 أبطلها وأُعتقل الرئيس علي بونجو , وفي السودان مثل اندلاع حرب أهلية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع فشل العملية الانتقالية لعام 2019 التي صممها في البداية الاتحاد الأفريقي بعد الإطاحة بعمر البشير, ورغم اختلاف هذه التطورات الثلاثة من حيث النطاق والطبيعة إلا أنها تسلط الضوء هشاشة الأوضاع السياسية في أفريقيا , ولمعالجة هذه المشكلة طلب مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي من مفوضية الاتحاد الأفريقي في يوليو2023 “مراجعة هيكل السلام والأمن الأفريقي (APSA) من أجل تكييفه مع التحديات الأمنية المعاصرة التي تواجه القارة” , وتكشف عوامل عديدة عن الأزمة التي تواجه APSA بما في ذلك عدم الاتساق في استخدام الآليات القائمة على سبيل المثال، تم تعيين كبير موظفي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي متحدثًا باسم الوضع في السودان على الرغم من وجود مكتب اتصال للاتحاد الأفريقي على الأرض في الخرطوم وعلى الرغم من الأزمة المختمرة في جمهورية أفريقيا الوسطى فإن الاتحاد الأفريقي لم يستبدل ممثله الخاص هناك بعد أربعة أشهر من مغادرة الرئيس الحالي , فالمبعوثين الخاصين للاتحاد الأفريقي إضافة إلي هذا يشكلون أداة لا تحظى بالتقدير الكافي ولا تمنع الصراعات والإنقلابات في القارة فمهامهم أسلوب مظهري ليس إلا , وهم نادرا ما يتلقون الدعم الفني والإداري الكافي لتنفيذ ولاياتهم وهذا يقوض قدرة الاتحاد الأفريقي على نشر المساعي السياسية الحميدة اللازمة في حالات الأزمات .
وهناك تناقض في تعامل الإتحاد الأفريقي في حالات رئيسية ثلاث حدثت مؤخراً هي :
الحالة الأولي / تــــــشـــــاد :
منذ بدء الانتقال العسكري بعد مصرع الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل 2021تعرضت السلطات العسكرية التشادية الجديدة للتهديد بتعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي بسبب إنتهاكها لدستور تشاد الذي يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بحيث تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية , وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري التشادي الذي أعلن عن توليه السلطة بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة مُكتفياً بتفويض السلطة من تلقاء نفسه من واقع بيان أصدره أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات , مما يعني أن الوضع القائم في هو وضع لشبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع نقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة , لكن مجلس السلم والأمن PSC التابع للاتحاد الأفريقي قررفي 14 مايو عدم فرض عقوبات على تشاد وسلطاتها الجديدة , وفي خطوة إستباقية وللتمكين من هذا الإنتهاك الصارخ لدستور تشاد ولمواجهة إحتمال إتخاذ قرار من مجلس السلم والأمن الأفريقي بإعتبارتولي العسكريين السلطة بمثابة إنقلاب عسكري لمخالفته دستور تشاد فيما يتعلق بنصه الخاص بعملية إنتقال السلطة لرئيس البرلمان التشادي وليس لمحلس عسكري إنتقالي أو غيره , قام محمد إدريس ديبي بزيارة Abuja حيث التقى بالنيجيري Muhammadu Buhari وكما حدث في Niamey عاصمة النيجر قبل أيام قليلة أكد لأخيه الأكبر الرئيس Buhari أنه ينوي استكمال المرحلة الانتقالية وتنظيم انتخابات حرة في غضون ثمانية عشر شهرًا كحد أقصى مع الحفاظ على التزامات تشاد في مجال سياسة الأمن الإقليمي .
بدأ مجلس السلم والأمن في 14 مايو2021 في دراسة القضية التشادية وإحتدم الجدل بين الدول أعضاء المجلس التي إنقسمت إلي فريقين الفريق الأول مُؤيد لفرض العقوبات تطبيقاً لنصوص الاتحاد الأفريقي ومعظمه من الدول الناطقة بالإنجليزية وهي بصفة رئيسية دول الجنوب الأفريقي لا سيما ليسوتو و ملاوي وقد استفادت هذه المجموعة في مُستهل النقاش من دعم الجزائر التي تمثل الشمال الأفريقي لفرض العقوبات علي النظام التشادي , والفريق الثاني مُعارض وأغلبه من الدول الناطقة بالفرنسية بغرب إفريقيا (السنغال وبنين) ووسـط إفـريـقـيا (لا سيما الكونجو وبوروندي ورواندا) وهم من طالبوا بالتساهل مع المجلس العسكري التشادي الذي تم تشكيله في N’Djamena علي عجل في 27 أبريل 2021والتغاضي عن فرض عقوبات علي نظام N’Djamena العسكري وأهمها تعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي , وقد إعتمد مؤيدو التساهل تجاه N’Djamena على تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الاتحاد الأفريقي إلى تشاد في نهاية أبريل 2021 بقيادة مفوض السلام والأمن النيجيريBankole Adeoye وعضوية سفير جيبوتي (الذي ترأس مجلس السلم والأمن في أبريل) لدى الاتحاد الأفريقي إدريس فرح .
في نهاية الإجتماع المُشار إليه لمجلس السلم والأمن الأفريقي صدر عنه بيان تضمن 20 بند أهمهم :
- – البند 16 ونصه : “يعتمد تقرير بعثة التحقيق الموفدة إلى تشاد في الفترة من 29 أبريل إلى 5 مايو 2021 مع استنتاجاتها وتوصياتها ” .
- – البند 18 ونصه :”يطلب إلى رئيس المفوضية تقديم تقرير لمجلس السلم والأمن قبل نهاية يونيه 2021عن تطور الوضع في تشاد ولا سيما عمل آلية الدعم والتقدم العام الذي أحرزته الدولة في تنفيذ ذلك , وبعد ذلك على أساس ربع سنوي حتى نهاية الفترة الانتقالية البالغة 18 شهرًا ” .
- – البد 19 ونصه : “يشجع السلطات الانتقالية في تشاد على الإسراع في التحقيق الرسمي في الاغتيال الوحشي للرئيس السابق من خلال لجنة التحقيق المنشأة بالفعل بمكتب المدعي العام ووزير العدل حتى يتسنى تقديم مرتكبي هذه الجريمة الشائنة إلى العدالة في أقرب وقت ممكن ” .
- البند 20 ونصه : “يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي “.
أي أن مجلس السلم لم يتخذ قراراً بفرض عقوبات علي النظام القائم حالياً في تشاد كما تنص وثائق التجمعين الإقتصاديين لغرب ووسط أفريقيا أو ECWAS و ECCAS وكذا إعلان Lomé وكذلك الإتحاد الأفريقي ومجلس السلم نفسه ( وفقًا للبروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي PSC يُشارك المجلس الإتحاد الأفريقي في عدد من السلطات مع رئيس اللجنة على وجه الخصوص لدي المجلس سلطة “اتخاذ قرار بشأن العقوبات عندما يحدث تغيير في الحكومة لا يتوافق مع الدستور في بلد ما”, ويمكنها أيضًا “فحص واتخاذ إجراءات (عندما) يتعرض الاستقلال الوطني أو سيادة الدولة للتهديد من خلال أعمال العدوان بما في ذلك من قبل المرتزقة”. كما أن للمجلس السلطة اللازمة “لرصد تعزيز الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية”) , وهو حدث هام وفارق لذلك علق عليه الصحفي الفرنسي Nicolas Beau بقوله : “في طليعة الدفاع عن الديمقراطية في إفريقيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ، يتغاضى الاتحاد الأوروبي الآن عن الغش الانتخابي والتغييرات الدستورية في القارة لأسباب كثيرة منها الخوف من تنامي نفوذ تركيا وروسيا اللذان يسجلان نقاطًا لإفتقادهما الحريات العامة مما يوفر لهما حرية حركة في سياستهما الخارجية في أفريقيا وبقاع أخري بالعالم .
الحـــالة الثــــانية / الجـــــابـــون :
خلافاً لشدة تعامله مع حالة إنقلاب 26 يوليو2023 في النيجر , حذر الاتحاد الأفريقي في 30 أغسطس 2023 من أنه قد يتخذ “الإجراءات اللازمة بما في ذلك فرض عقوبات مستهدفة ضد منفذي الانقلاب”في الجابون , وطالب الاتحاد الإفريقي في الأول من سبتمبر2023بـ “الإفراج الفوري” عن رئيس الجابون المخلوع علي بونجو الذي يخضع للإقامة الجبرية بعد الانقلاب العسكري الذي وقع يوم 30 أغسطس2023 , وفي بيان صدر عن مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا طالب مجلس السلام والأمن التابع للمنظمة “بالإفراج الفوري عن الرئيس علي بونجو أونديمبا وأفراد أسرته وضمان حقوقه الإنسانية وسلامته الشخصية وأمنه وصحته”وأعضاء حكومته”وعلاوة على ذلك أدان مجلس السلم والأمن “أي اعتقال لدوافع سياسية في هذه الظروف”وشدد على “أهمية ضمان التعامل مع جميع المعتقلين السياسيين أمام النظام القضائي على النحو المنصوص عليه في تشريعات البلاد”.
وفي البيان الذي تناول الاجتماع العاجل الذي عقده المجلس في 31 أغسطس2023بشأن أزمة الجابون ذكر الاتحاد الإفريقي أنه قام بتعليق عضوية الجابون في المنظمة الإفريقية “حتى استعادة النظام الدستوري”وفي هذا الصدد دعا مجلس السلم والأمن إلى “الاستعادة الفورية للنظام الدستوري من خلال إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية وشفافة يراقبها الاتحاد الأفريقي والبعثة الإقليمية لمراقبة الانتخابات”, ففي 31 أغسطس 2023استولى القادة العسكريون في الجابون على السلطة ووضعوا الرئيس علي بونجو أونديمبا قيد الإقامة الجبرية ورفضوا نتائج الانتخابات العامة التي جرت في البلاد نهاية الأسبوع الماضي، قائلين إنها مزورة ويسعى قادة الجيش إلى طمأنة الشركاء , ومن ناحية أخرى تعهد قادة الجيش الجابوني باحترام التزامات البلاد في الداخل والخارج , وقال أولريش مانفومبي مانفومبي المتحدث باسم لجنة الانتقال واستعادة المؤسسات (CTRI)على شاشة التلفزيون الحكومي إن الرجل القوي الجديد الجنرال بريس أوليجي نجويما سيؤدي اليمين الدستورية يوم 3 سبتمبر2023 “كرئيس انتقالي” في المحكمة الدستورية وأضاف مانفومبي أن نجويما “يود طمأنة جميع المانحين وشركاء التنمية وكذلك دائني الدولة بأنه سيتم اتخاذ جميع التدابير لضمان احترام التزامات بلادنا على الصعيدين الخارجي والداخلي”, ومن ناحية أخرى حث تحالف المعارضة الرئيسي في البلاد ضباط الجيش على مواصلة العملية الانتخابية والانتهاء من فرز الأصوات الرئاسية وقالت المعارضة إن التصويت منح زوراً للرئيس المخلوع قبل الانتهاء من فرز الأصوات , ولا حديث عن فترة إنتقالية بصفة مُحددة أو تدخل عسكري ضد إنقلاب الجابون , ولم تتحدث فرنسا أثناء العملية الإنتخابية الرئاسية التي نظمها الرئيس علي بونجو وكانت غير مضبوطة فنياً لم تتحدث عن تزوير أو أنها غير مُجازة فنيا , غير ما فعلته في حالة النيجرالتي شكت المعارضة النيجرية من أن إنتخابات الرئاسة التي جاءت بمحمد بازوم رئيساً منذ نحو عام مضي لم تكن سليمة من الناحية الفنية ولم تكن شفافة ومع ذلك تم إنتخابه رئيساً .
الحــــالــة الـــثالــــثة / الــــنـــجــــر :
قام قائد الحرس الرئاسي بالنيجر ومعه فريق في 26 يوليو2023 بالإطاحة بالرئيس الموالي لفرنسا محمد بازوم وأعتقلوه ومنذ هذا اليوم بدأ التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا “إيكواس”بالمطالبة بإعادة الرئيس المُطاح به لمنصبة وإعادة النظام الدستوري بالنيجر وهو ما رفضه المجلس العسكري الذي تكون لإدارة شؤن البلاد ورفض هذا المجلس أي تفاوض لإعادة النظام الدستوري , وسرعان ما بدأت فرنسا في تحريض إيكواس للتدخل عسكرياً بالنيجر ورفضت مطالبة السلطات الإنقلابية بطرد السفير الفرنسي في نيامي بإعتبار أن فرنسا لا تعترف إلا بالسلطة التي أطاح به الإنقلاب أي سلطة الرئيس بازوم وحكومته , وسارت العلاقة الفرنسية بالنيجر في مسار ضيق لا يتسع إلا لمرور أزمة العلاقات التي من الواضح أنها بلا عودة فالسلطات في النيجر تطالب السفير بمغادرة النيجر ووافقت المحكمة المختصة علي قرار السلطات العسكرية وحوصرت إحدي القواعد العسكرية الفرنسية في نيامي حتي اليوم 4 سبتمبر2023 وقد تظاهر آلاف المتظاهرين في النيجرللمطالبة بسحب فرنسا المستعمر السابق لقواتها وهتف المتظاهرون “تسقط فرنسا! اخرجوا فرنسا”مكررين الشعارات التي سمعت في مسيرات مختلفة في نيامي منذ الانقلاب في 26 يوليو2023 كما أطلق النظام العسكري في النيجر هجوما لفظيا جديدا على فرنسا في الأول من سبتمبر2023 متهما باريس “بالتدخل الصارخ” من خلال دعم الرئيس المخلوع في البلاد ومنذ ذلك الحين انضم عشرات الآلاف من الأشخاص إلى الاحتجاج عند دوار بالقرب من قاعدة النيجر العسكرية حيث يتمركز الجنود الفرنسيون وفي 3أغسطس2023 أعلن النظام العسكري بالنيجر إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا التي لديها نحو 1500 جندي متمركزين في البلاد كما أعلن عن “طرد” السفير الفرنسي سيلفان إيتي وأعلنعن سحب حصانته الدبلوماسية لأن وجوده يشكل تهديدا للنظام العام لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رد بأن أشاد بعمل السفير إيتي في النيجر وقال إنه لا يزال في البلاد على الرغم من منحه مهلة 48 ساعة للمغادرة وقالت وزيرة الخارجية كاثرين كولونا في مقابلة مع صحيفة لوموند “إنه ممثلنا لدى السلطات الشرعية في النيجر”وأضافت “ليس علينا الرضوخ لأوامر وزير لا يتمتع بالشرعية”مؤكدة أن باريس تحرص على “أن يتمكن من مواجهة ضغوط الانقلابيين بأمان تام”, والواقع أن انعدام الثقة في فرنسا يتزايد في النيجرفقد استنكر النظام العسكري الحاكم في 1 سبتمبر2023 كلمات إيمانويل ماكرون الذي جدد دعمه للرئيس المخلوع محمد بازوم وأعلن المتحدث باسم المجلس العسكري بالنيجر أن “حكومة جمهورية النيجر تابعت بفزع التصريحات التي أدلى بها يوم 28 أغسطس 2023 رئيس الجمهورية الفرنسية وأن هذه التصريحات تشكل تدخلا إضافيا صارخا في الشؤون الداخلية للنيجر” من ناحية أخري أكدت فرنسا مراراً وتكراراً دعمها للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي ظلت لعدة أسابيع تلوح بالتهديد بتدخل عسكري محتمل لاستعادة النظام الدستوري في النيجر وإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم المحتجز في القصر الرئاسي , بصدد هذا قال إيمانويل ماكرون : “أدعو جميع دول المنطقة إلى اتباع سياسة مسؤولة”، مذكرا بأن فرنسا تدعم “العمل الدبلوماسي وعندما تقرر القيام بعمل عسكري ضد الإنقلابيين في النيجر فإنها ستدعمه أيضاً كما أشاد بمحمد بازوم الذي أطيح به في 26 يوليو2023والذي لم يستقل بعد مشيدا بـ”الرجل النزيه المنتخب ديمقراطيا والشجاع” , وهو نفسه يعتبره الإنقلابيين وقطاع عريض من شعب النيجر عميل طائع لفرنسا .
أمر المجلس العسكري في النيجر في 26 أغسطس 2023 قواته المسلحة بالبقاء في حالة تأهب قصوى مشيرا إلى تزايد التهديد بشن هجوم وذلك وفقا لوثيقة داخلية أصدرها وزير الدفاع في 1 سبتمبر2023 وأكد مصدر أمني في البلاد صحتها وقالت الوثيقة، التي تم نشرها على نطاق واسع عبر الإنترنت إن الأمر بالبقاء في حالة تأهب قصوى سيسمح للقوات بالرد بشكل مناسب في حالة وقوع أي هجوم و”تجنب مفاجأة عامة وأن “تهديدات العدوان على الأراضي الوطنية أصبحت محسوسة بشكل متزايد”
تأتي أهمية النيجر لفرنسا في أن مجموعة Areva المملوك معظمها للدولة الفرنسية وبعدها شركة Orano تقوم بإستغلال وتعدين اليورانيوم النيجري من مناجمه بشمال النيجرحيث تعد النيجر ثالث / رابع دولة مصرة لليورانيوم في العالم وتقوم فرنسا بتشغيل أكثر من خمسين مفاعل نووي في فرنسا لتوليد مالايقل عن 70% من كهرباء فرنسا من هذا اليورانيوم الذي تستخرجه ويُصدر لفرنسا بسعر بخس , والوجه الآخر لأهمية النيجر أنها مستقر لقواتها المُنسحبة من مالي وبوركينافاسو بالإضافة الي قواعدها العسكرية الموجودة فعلاً بالنيجر والتي وافق عليها رئيس النيجر السابق إيسوفووهو أيضاً من أخلص وأشد المحمسين من بين قادة النيجر لفرنسا .
من جهة أخري تستمر نيجيريا في إتصالاتها مع الإنقلابيين في النيجر بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخري ففي 31 أغسطس 2023أعلن أن الرئيس النيجيري بولا تينوبو الذي يتولى رئاسة الكتلة الإقليمية قال”لم يتم استبعاد أي خيار من على الطاولة بما في ذلك استخدام القوة كملاذ أخير”وذلك في كلمته الختامية في الاجتماع الاستثنائي لقادة مجموعة إيكواس في أبوجا , كما وجهت كتلة إيكواس بالتنفيذ الفوري ومراقبة العقوبات على المجلس العسكري في جمهورية النيجر وأمرت بـ”نشر القوة الاحتياطية التابعة للإيكواس لاستعادة النظام الدستوري في جمهورية النيجر”و دعت الكتلة الاتحاد الأفريقي والدول والمؤسسات الشريكة إلى دعم القرارات التي اتخذتها الهيئة الإقليمية الفرعية , وأعربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا عن أسفها لرفض الجهود المبذولة لإجراء حوار سلمي مع المجلس العسكري في النيجر .
لكن في بيان أصدره أوبيورا إيفوه سكرتير الدعاية الوطنية في حزب العمال بنيجيريا LP قال في 2 سبتمبر2023 أثناء رده على الأمر: إن التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحالية التي تواجهها نيجيريا تجعل من غير الحكمة أن تشارك الحكومة في أي حرب وجاء في بيان الحزب أن “الوضع الاجتماعي والاقتصادي في البلاد تدهور بشدة إلى حد أن نيجيريا غارقة في الفقر المدقع والجوع والبطالة”وقال إيفوه : “إن قيادة حزب العمال تتابع التطورات السياسية الأخيرة في جمهورية النيجر وكيف هددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بقيادة نيجيريا بقيادة دول المنطقة إلى حرب لتطهير الحكومة من الانقلابيين في الدولة المجاورة لنا وأضاف قوله : “إن السياسات الاقتصادية السيئة للحكومة وارتفاع أسعار المنتجات البترولية وارتفاع وضع النقد الأجنبي أدت إلى زيادة تدهور الظروف المعيشية للناس , لذا ففي بلد يعاني من مثل هذه الأزمة الهائلة فإن التفكير في شن حرب ضد دولة أخرى أو الدفاع عن الديمقراطية ليس أمراً مثيراً للضحك فحسب بل هو تصور خاطئ وموجه بشكل خاطئ فلدينا بالفعل ما يكفي من الأزمات بين أيدينا من انعدام الأمن والجوع والبطالة والفقر وضعف البنية التحتية وغيرها وأعتقد أن الحكومة لديها ما يكفي من المهام للتركيز عليها بدلاً من التدخل في الشؤون الداخلية لبلد آخر فلا يمكن لنيجيريا أن تلعب دور الأخ الأكبر لأفريقيا عندما يكون الناس جائعين فنحن عمالقة أفريقيا بالاسم فقط ولكننا بعيدون عن الارتقاء إلى مستوى تلك التوقعات وتحتاج الحكومة إلى التفكير في نيجيريا أولاً إننا أمام تحديات هائلة بين أيدينا ويجب على الحكومة التركيز على كيفية استعادة اقتصادنا وإعادة بناء البنية التحتية وخلق فرص العمل وإنهاء أعمال القتل وانعدام الأمن في نيجيريا بدلاً من إضاعة الوقت والموارد والطاقة في شؤون دولة أخرى ذات سيادة”.
بالإضافة إلي ما تقدم فقد قال منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في 31 أغسطس2023إنه لا توجد خطط حتى الآن لإجلاء مواطني الاتحاد الأوروبي من الجابون وفي حديثه للصحفيين في مدينة توليدو الإسبانية قارن بوريل الوضع في الجابون بالوضع في النيجر المجاورة حيث أطاح الجنود بالرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو2023 وقال “بطبيعة الحال الانقلابات العسكرية ليست الحل لكن يجب ألا ننسى أنه كانت هناك انتخابات مليئة بالمخالفات في الجابون” معتبرا أن التصويت المزور يمكن أن يصل إلى حد “انقلاب مؤسسي” مدني وفي وقت لاحق قال بوريل في بيان إن الكتلة “ترفض أي استيلاء على السلطة بالقوة في الجابون” وأوضح :”إن التحديات التي تواجه الجابون يجب حلها وفقا لمبادئ سيادة القانون والنظام الدستوري والديمقراطية فالسلام والازدهار في البلاد وكذلك الاستقرار الإقليمي يعتمدان على ذلك” , لكن لا حديث عن تدخل عسكري كما تلوح بذلك منظمة إيكواس وفرنسا .
تــــقــــديــــر مـــوقـــف :
1- أوضحت الإنقلابات العسكرية المتتالية في أفريقيا وكذلك أنظمة الحكم المُتداعية الهشة التي تنشأ وتستمر بآليات ديموقراطية شكلية وخربة Scrap بشكل جلي أن هناك ثمة مشاكل في بنيان مجلس الأمن والسلم الأفريقي أو الـ APSA (The African Peace and Security Architecture) كما أن تفضيل الحكومات للنهج العسكري في التعامل مع انعدام الأمن يدعو للقول بأن هذه الإستراتيجات قد تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للصراع وتشكك أيضًا بشكل متزايد في أساس هيكل آسيا والمحيط الهادئ للسلام كآلية للأمن الجماعي , ذلك أن مسائل الحكم لا تحظى بنفس القدر من الاهتمام الذي تحظى به التدابير العسكرية على الرغم من أن البلدان الأفريقية غير قادرة على تمويل التدخلات العسكرية بمفردها , فعندما تم إطلاق الـ APSA في عام 2003كان ذلك يعتبر بمثابة مساهمة مبتكرة في التعددية الأفريقية وكان نهج التدخل الثلاثي الأبعاد الذي اتبعته والذي يشمل المستويات الوطنية والإقليمية والقارية أصلياً فسمح أيضاً بوضع ترتيبات مصغرة ولكن مع تصاعد التوترات الجيوسياسية ورغبة الدول الأفريقية في المشاركة بشكل أكبر في الحوكمة العالمية، إحتاجت APSA إلى التكيف مع تحديات الحوكمة الحالية وانعدام الأمن , كما تظهر أزمة التمويل المستمرة لعمليات دعم السلام الأفريقية وتتطلب مراجعة هيكل آسيا والمحيط الهادئ تقييم الصكوك الحالية وخاصة تلك التي تتناول الدبلوماسية الوقائية والحوكمة والتبعية وبالنظر إلى التكاليف المرتبطة بصنع السلام فمن الممكن تفعيل بعض الأدوات المفيدة والميسورة التكلفة لمنع نشوب الصراعات , فلقد تسببت الإصلاحات الأخيرة للاتحاد الأفريقي في الإضرار بإطار منع الصراعات في المنظمة ولابد من إعادة تقييمها على المستويين السياسي والفني ولابد من تعزيز قدرة لجنة الحكماء على معالجة الأزمات الناشئة بشكل استباقي ومن الأفضل أن تتألف من رؤساء دول سابقين ولابد من تعزيز قدرات أمانتها ونقلها إلى مكتب الرئيس وعلى نطاق أوسع لابد من إعادة تقييم تفكيك النظام القاري للإنذار المبكر ودمجه مع المكاتب الإقليمية وتركز المكاتب الإقليمية التي تعاني من نقص الموظفين على الأزمات القائمة التي طرحها مجلس السلام والأمن بدلاً من تحديد بؤر التوتر الجديدة ويزيل هذا الوضع التمييز بين منع الصراعات وإدارة الأزمات ويحول مفوضية الاتحاد الأفريقي إلى هيئة رد فعل , ففيما يتعلق بالحوكمة كثيرًا ما ناضل الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية من أجل استخدام الأطر الإقليمية بشكل مناسب تثير سلسلة التغييرات غير الدستورية في الحكومة في غرب أفريقيا والتغيير الأخير للدستور في جمهورية أفريقيا الوسطى تساؤلات حول فعالية هيئات مثل الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء ولم يتم إثبات القيمة المضافة لآليات الحوكمة المنفصلة عن التحالف الأفريقي للسلام على الإطلاق وأهدرت إصلاحات الاتحاد الأفريقي الفرصة لتبسيط هذه الأدوات المتميزة قانونا , وأخيرا ينبغي إعادة النظر في معنى التبعية بالنسبة للاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية فقد كان قادة المجلس العسكري في النيجر والسودان عدائيين تجاه المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية مما يشير إلى أن القرب من الأزمة قد يكون مشكلة في حد ذاته , عموماً تظهر التجربة الأخيرة لإدارة الأزمات عبر الإقليمية أن التدخل المشترك والمتزامن من قبل الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية في النقاط الساخنة للأزمات قد ينجح أكثر من التسلسل الآلي الذي يرى أن الهيئة الإقليمية هي المستجيب الأول الحصري رغم الضعف الهيكلي والإزدواجية في المعايير في إتخاذ القرارات السياسية المختلفة التي ميزت عمل الإتحاد الأفريقي خاصة في ظل رئاسة السيد موسي فكيه التشادي ولهذا السبب يجب على مجلس السلام والأمن أن يظهر المزيد من الاتساق في أداء واجباته باعتباره الهيئة الرئيسية لصنع القرار بشأن الأمن والحكم وينبغي علي التجمعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الأفريقي أن يسعوا معاً إلى بناء التوافق في الآراء لإدارة الشروخ التي ظهرت مؤخراً في العديد من الآليات الإقليمية ، ولا سيما المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في حالة النيجر مما يعيق فعاليتها ومصداقيتها .
2- زاد انقلاب الجابون في 29 أغسطس2023 من صعوبة إستساغة المجتمع الدولي بوجه عام للمنطق الذي يسوقه البعض في إيكواس وفي فرنسا علي المستوي الرسمي للتدخل عسكريا ضد الإنقلابيين في النيجر لأنهم ببساطة لم يُثيروا هذه المسالة مسالة التدخل العسكري ضد إنقلابيي الجابون فكل ما قيل لهم أن أعيدوا النظام الدستوري بعد فترة إنتقالية لم يُتفق علي مداها أما الرئيس المُطاح به علي بونجو فلا حديث عن إعادته للسلطة كحالة محمد بازوم وهي جد مفارقة رغم إن كلاهما منتخب بنفس آليات الديموقراطية الصورية الشكلية ورغم أن كلاهما مُؤيد من قطاع عريض من الشعب وهذا واضح جداً أكثر في حالة النيجر لان إنقلاب النيجر واضح أن هدفه الأولي والرئيسي ليس الإطاحة بمحمد بازوم ولكن الإطاحة والتخلص من الوجود العسكري الفرنسي والإستغلال والنهب الذي تمارسه مجموعة ORANO لليورانيوم ولهذا هناك مواجهة فرنسية حادة لإنقلاب النيجر وهي مواجهة في نفس الوقت مع شعب النيجر الذي ضاق ذرعاً بالوجود العسكري والثنائي عموماً لفرنسا في النيجر منذ عام 1960 عام إستقلال النيجر الشكلي عن فرنسا التي ربطت النيجر بمصفوفة أسمتها “تعاون ثنائي مُدعمة بالروح الإستعمارية الفرنسية .
3- من الواضح أن الولايات المتحدة تحافظ بشكل صارم علي مسافة لتفصلها عن السياسة الفرنسية في أفريقيا عموماً والنيجر بصفة مُحددة فهي لم تُصنف إنقلاب النيجر حتي الآن علي أنه إنقلاب لأن ذلك سوف يُلزم الولايات المتحدة بإتخاذ عدة إجراءات مُضادة سيضر بعضها بالمصالح الأمريكية نفسها ومنها قاعدة الطائرات بدون طيار Drones التي تكلفت نصف مليار دولار وفوق ذلك فهي تغطي جزء كبير من فضاء الصحراء الكبري , هذا بالإضافة إلي أن الولايات المتحدة تفضل التخلص من عبء الوجود العسكري الفرنسي في منطقتي الساحل والصحراء كما تخلصت من الوجود البريطاني عقب الحرب العالمية الثانية 1945 في الشرق الأوسط , ويجدر بالذكر أنه في تطور مُلفت للنظر في مسار العلاقات الثنائية بين النيجر والولايات المتحدة منذ إستقلال النيجر في 3 أغسطس 1960قام وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن بزيارة النيجر في 16 مارس2023 إلتقي خلالها بالرئيس محمد بازوم ووزير الخارجية حسومي مسعودو في نيامي وناقش معهما سبل تعزيز الشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر في مجالات الدبلوماسية والديمقراطية والتنمية والدفاع وجهود مكافحة الإرهاب والإطار الإستراتيجي لمثل هذه الزيارة هو السعي الأمريكي إلي مواجهة النفوذين الصيني والروسي المُتزايد وإلانخراط بقوة مع إفريقيا عبر الوسائل الأمريكية الرئيسية المتاحة وأهمها الزيارات المُتبادلة والسفارات الأمريكية المُعتمدة في دول القارة والقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM ووكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID وقانون الفرصة والنمو الأفريقي AGOA ووسائل أخري , وقد تزامنت زيارة وزير الخارجية الأمريكي مع موجة جزر وإنحسار غير مسبوقة للدبلوماسية والعسكرية الفرنسية إذ ألغت كل من مالي وبوركينافاسو تعاونهما العسكري مع فرنسا وسجلت روسيا عبر مجموعة فاجنر إختراقاً ووجوداً مهماً في أفريقيا الوسطي وسبق هذا الإختراق الروسي حيازة الصين قاعدة بحرية هي الأولي خارج الصين في جيبوتي .
4- بالإضافة للإنقسامات بشأن ضرورة ومناسبة التدخل العسكري لإيكواس والرفض الداخلي في نيجيريا – التي تتولي رئاسة إيكواس – ضد إنقلاب النيجر فقد يكون من المناسب أيضاً التحسب من أن أي تدخل عسكري في النيجر قد يُواجه بتضافر 3 قوي هي (1) جيش النيجر مع دعم من جيشي مالي وبوركينافسو و (2) متطوعين من شعب النيجر و(3) مقاتلين من بعض من العناصر المثسلحة من بعض التيارات الإسلامية مثل أنصار الدين , وكلما طالت مدة التدخل العسكري – إن حدث ذلك وهو مُستبعد حتي الآن – فسوف تكون المعركة صعبة بتضافر هذه القوي الثلاث معاً ضد فرنسا وقوة إيكواس .
الـــــــــســـــفـــــر : بــــــــلال الــــمــــصــــري –
حصريا المركز الديمقراطي العربي الـــقــــاهـــــرة تـحـــريــــراً في 4 ســبـتـــمــبــر 2023