اقتصاد الحرب في اليمن؛ التدابير الاقتصادية لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بعد سبتمبر (2014)

اعداد: محمد أحمد الحميري (المركز الديمقراطي العربي)

يعد موضوع اقتصاد الحرب أحد أهم المواضيع التي يدرسها فرع علم الاقتصاد، كما إنه أحد الأدوات التحليلية لهذا الفرع من العلوم الذي يعنى بتحليل الأنشطة العسكرية وادارتها وتمويلها من منظور اقتصادي، إذ إنه يهتم بوضع الدول واقتصادها في أوقات الحروب والصراعات بما يشمله ذلك من توجيه الاهتمام لمسائل الانفاق العسكري وادارة موارد القوات المسلحة ومواجهة الاوضاع الاستثنائية العسكرية للوضع القائم.

يقال إن للحروب اقتصادها، فعلى مر التاريخ كانللعوامل الاقتصادية أهمية كبيرة في التعبئة العسكرية والحرب بشكل عام، وقد زاد من أهمية ذلك ان الحروب التي أصبحت تقوم في عالمنا المعاصر تكتسب تمويلًا متزايدًا سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط إحدى أهم وأكثر مناطق الصراع في العالم، إذ إنها تشهد بين كل فترة وأخرى صراعات ونزاعات مختلفة، الأمر الذي يثير تساؤلات عدة حول دور الاقتصاد واقتصاديات الحرب وكيفية مواجهة هذه الحروب وتمويلها وادارتها، وهو ما تسعى اليه هذه الدراسة عبر أخذ الحرب في اليمن كنموذج للتطبيق.

تهدف هذه الورقة البحثية الى تناول موضوع اقتصاد الحرب الأهلية في اليمن، وهي الحرب التي تدخلفي الوقت الحالي عامها الثالث، حيث تستمر بنفس الوتيرة مع دخول عوامل سياسية واقتصادية جديدة واشكال مختلفة من التمويل الداخلي والخارجي، لاسيما مع استيلاء الحوثيون وانقلابهم على السلطة في سبتمبر 2014 والذي مكنهم من الاستيلاء على مقومات ومقدرات الدولة المالية والعسكرية، واتخاذهم لسلسلة من الإجراءات الاقتصادية والمالية الداعمة لاستمرار تمويل الحرب والجبهات العسكرية كاستنزاف الاحتياطي النقدي والتوقف عن تسليم المرتبات وكذلك جباية أموال تحت مسميات المجهود الشعبي واستحداث نقاط تفتيش وغيرها من الإجراءات التي رأت فيها الجماعة وسائل وآليات تمول عبرها حربها واقتصادها العسكري.

تقوم الورقة على فرضية رئيسية تفيد بان دخول أي بلد في حرب سواء داخلية أو خارجية يستلزم معه اتخاذ مجموعة من الآليات والإجراءات الاقتصادية التي تمكنه من تمويل الانفاق العسكري وتغطيته، وذلك لمواجهة النقص الذي قد يتأثر بسبب الوضع العام عسكريًا وسياسيًا، حيث نسعى من خلال ذلك الى محاولة بحث الاليات والإجراءات التي اتخذها الحوثيون في اليمن بعد انقلابهم على السلطة ودخول البلد حرب أهلية ما زالت مشتعلة حتى اليوم. وسنعتمد في ذلك على مجموعة من التقارير الاستقصائية الواردة من ميدان الصراع في اليمن والتي تتناول مسألة تمويل الحرب واليات استمراره.


أولًا: إطار نظري مفاهيمي

أ) – في مفهوم اقتصاد الحرب

يعرف اقتصاد الحرب في العديد من الأدبيات باعتباره “استمرار للاقتصاد بوسائل أخرى”[1]، فما يميز اقتصاد الحرب خصوصًا في الحروب الأهلية حيث تكون الحكومة والمتمردون طرفَي النزاع، “أنها تنطوي على التحايل على الاقتصاد النظامي وتدميره، وبالتالي نمو الأسواق غير النظامية والسوداء، وسيادة السلب، والابتزاز، والعنف المتعمّد ضد المدنيين من قبل المقاتلين لاكتساب السيطرة على الأصول المربحة، واستغلال اليد العاملة. كما أنه اقتصاد يتّسم باللامركزية، ويزدهر فيه الاعتماد على التهريب”[2]. لقد ساهمالانخفاضالحاد فيالمساعدة الخارجية لكثير من الحكومات والجماعات المتمردة لاسيما بعد الحرب الباردةفي توجه المحاربين واعتمادهم على تعبئة القطاع الخاص، بحيث صارت هذه المصادر هي المرتكز الأساس في دعم أنشطتها العسكرية والسياسية؛ وبالتالي فقد نتج عن ذلك ما يمكن تسميته بالاقتصاد السياسي الجديد للحرب[3].

ويشير تعريف آخر لاقتصاد الحرب بانه مجموعة من إجراءات الطوارئ التي يتم اتخاذها من قِبل الدولة الحديثة لتعبئة اقتصادها للإنتاج خلال فترة الحرب. حيث يصف فيليب لو بيلون اقتصاد الحرب بأنه “نظام إنتاج الموارد وتعبئتها وتخصيصها لدعم المجهود الحربي”، كما يشير أيضًا فيليب في اطروحته حول العلاقة بين الموارد الطبيعية والنزاعات المسلحة الى الدور الذي تلعبه هذه الموارد في نشوب الصراعات المسلحة وتمويلها والعمل على استدامتها، حيث إنها وعلى عكس الاعتقاد السائد الذي يعتبر ان وفرتها يساعد على النمو الاقتصادي، فإنها تزيد من خطر نشوب الصراعات المسلحة عن طريق تمويل الصراعات وتحفيزها[4].

ولاقتصاد الحرب أشكال متعددة، إذ يعتمد ذلك على امكانيات الفصائل والجماعات العسكرية كالموارد المحلية والقدرات العسكرية والدعم المحلي والدولي والعلاقات السياسية والتجارية وأيضًا الظروف الجغرافية، ومن هذه الأشكال: اقتصاد الحرب للدولة والذي يكون في العادة عبر اتخاذ اجراءات قانونية كفرض الضرائب والاقتراض من الخارج. إما الشكل الآخر الأكثر شيوعًا هو اقتصاد حرب العصابات، فالجماعات والعصابات المسلحة التي تخوض حروب ونزاعات تجد نفسهامضطرةنحو إقامة علاقات ودية وثيقة مع السكان المحليين وذلك في إطار سعيها لتوفير موارد دعم محلية، كما إن هناك أشكال إضافية أخرى، كاقتصاد حرب الجماعات المسلحة واقتصاد حرب التدخل الإنساني وكذلك اقتصاد الحرب التجارية[5].

وبالرغم من إن مصطلح اقتصاد الحرب او الاقتصاد السياسي للحرب المستخدم في بعض الأدبيات قد ركز على إجراءات الطوارئ التي تتخذها الدول الحديثة التي تدخل في حروب خارجية، فإنه بإمكاننا توسيع نطاق المفهوم بحيث يشمل الدولة والجماعات المسلحة الأخرى بنفس الوقت والتي تدخل في حروب أهلية مع قوى وجماعات مسلحة داخلية، وفي تركيزنا على الحالة اليمنية، فإن ما نقصده باقتصاد الحرب في اليمن هو التدابير والإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) بعد انقلابها وسيطرتها على مقومات الدولة واستخدام هذه الأدوات كأدوات حرب عسكرية، حيث ان سيطرتها على الدولة ومقوماتها العسكرية والاقتصادية قد فتح نقاشًا حول الاعتماد الدائم عليها في تمويل حربها ضد الجماعات والقوى الأخرى، وسنسعى من خلال ذلك لمعرفة كيفية تخصيص موارد الدولة لمواجهة نفقات الحرب والتسليح والجبهات العسكرية، والآليات الجديدة التي فرضتها في سعيها للبحث على مصادر تمويل جديدة لاسيما بعد استنزف الاحتياطي النقدي وتوقف تصدير النفط والغاز.

ب) – الحرب في اليمن

شكل الـ 21 من سبتمبر 2014 نقطة تحول مفصلية في الواقع السياسي والاقتصادي في اليمن، حيثاتسعت دائرة النزاع المسلح، موجدة بذلك مدخلاً لوضع جديد يتسم بالتردي غير المسبوق في الحالة الاقتصادية. ففي هذا التاريخ سيطرت جماعة الحوثي المسلحة –أنصار الله-بالتعاون مع قوات عسكرية موالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح-على العاصمة صنعاء بقوة السلاح لتفرض الجماعة نفسها سلطة أمر واقع بديلةعن سلطة الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي.

إثر تقدم قوات أنصار الله وحليفهم صالح إلى محافظة تعز(21مارس2015) وصولاً إلى مشارف مدينة عدن جنوب اليمن, وفرار الرئيس هادي إلى العاصمة السعودية الرياض في 25 مارس 2015م، تمددت مساحة الصراع العنيف مع نشوء جماعات مسلحة محلية الى جانب قوات حكومية مقاومة لذلك التوسع, تشكلت هذه الجماعات بشكل رئيسي من حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات السلفية والحراك الجنوبي وجماعات وأحزاب أخرى موالية للرئيس عبده ربه منصور هادي، واطلاق المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2015 عملية عسكرية على رأس تحالف عربي من تسع دول ضد قوات الحوثي وصالح بطلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى مجلس التعاون الخليجي للتدخل وإعادة تمكينه من ممارسة سلطاته وتثبيت شرعيته.

لقد شكلت الحرب في اليمن التي انطلقت في مارس 2015 بداية لانهيارًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث ترافق ذلك مع حصار مفروض، وبداية لاستخدام الإجراءات الاقتصادية المختلفة في تعزيز اقتصاد الحرب لجماعة الحوثي، فقد بدأت الجماعة باستنزاف الاحتياطي من النقد الأجنبي والتوقف عن دفع المرتبات الأساسية للموظفين مع فتح أسواق سوداء للمشتقات النفطية وبيعها بأسعار مرتفعة، بالإضافة الى فرض ضرائب وجمارك جديدة على القطاع الخاص والتجار، وبالتالي فقد مكنت هذه الإجراءات جماعة الحوثي من الإمساك بزمام الأمور الاقتصادية واستمرار تمويل الجبهات العسكرية وبشكل لا يظهر تضررها من الوضع والأزمة الاقتصادية التي يعيشها المجتمع اليمني.

ج) –الدراسات السابقة عن اقتصاد الحرب

بصفة عامة، يمكن القول ان بلد كاليمن بما يعيشه من أوضاع استثنائيةلم يشجع الباحثون لدراسته، ويلاحظ ذلك من القاء نظرة على الكتابات الحديثة حول اليمن والتي بالرغم من تركيزها على الجانب الانساني، فإن هناك ندرة في الأبحاث السياسية الاقتصادية إذا ما استثنينا التقارير الصحافية، وربما يعود ذلك الى طبيعة البلد الذي يعيش ضعفًا اقتصاديًا من جانب، وهشاشة سياسية منذ فترة ليست بالقليلة من جانب آخر. إننا ومن خلال اطلاعنا حول هذا الموضوع يمكننا القول إنه ليس هناك ما يمكن الاستناد اليه كدراسات أكاديمية حول اقتصاد الحرب في اليمن كما يحدث في العديد من البلدان التي تمر بأوضاع مشابهه، ونظرًا لعدم وجود دراسات تتناول اقتصاد الحرب في اليمن، سيتم في هذه الجزئية التركيز حول دراسات عنيتباقتصاد الحرب في بلدان شبيهه بالحالة اليمنية،سنحاول من خلالها تناول اجراءات وآليات اقتصاد الحرب ومقارنتها باليمن. وفي اعتقادنا ان أقرب النماذج لاقتصاد الحرب في اليمن هو الوضع في سوريا وليبيا رغم ما قد يعتري ذلك من اختلافات كثيرة ومتعددة، وقياسًا على ذلك سيتم التركيز على دراستين تناولتا موضوع اقتصاد الحرب، الأولى في سوريا، والثانية في ليبيا.

تعتبر دراسة جهاد يزيدي المعنونة”اقتصاد الحرب في سوريا 2014[6]، من أهم الدراسات التي تناولت اقتصاد الحرب في سوريا، حيث ركز فيها على الآليات التي استطاع بواسطتها النظام السوري مقاومة الانهيار الكامل في المناطق التي يسيطر عليها، وبالرغم من تعدد هذه الآليات والمصادر ما بين المحلية والدولية، فإن الباحث يشير الى أن قدرة النظام السوري على الاستمرار يعود بشكل رئيس الى الدعم الاقتصادي من حلفاءه الخارجيين ايران وروسيا، وفي هذا السياق، يسرد الباحث أرقام تشير الى حجم المساعدات المالية التي تلقاها النظام، فعلى سبيل المثال بلغتالمساعدات المقدمة من إيران بين عام 2011 وعام 2013 حدود 10 مليار دولار. أما بخصوص الدعم الروسي، فبالرغم من محدوديته بالمقارنة مع الدعم الايراني، إلاإن روسيا قدمت مجموعة من التسهيلات للنظام السوري على شكل مقايضًات وتبادل للنفط الخام، وكذلك فتح حسابات في البنوك الروسية ونقل للأصول السورية في سعيها لمواجهة العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري. ولا يهمل الباحث في هذا الإطار مصادر التمويل المحليةللنظام والتي يشير اليها انها كانت تأتي عبر رفع نسب التعرفة الجمركية في بعض الأحيان، إضافة الى الدعم المقدمة من شبكات رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السياسي كرامي مخلوف وغيره. وفيما يتعلق باقتصاد حرب الجماعات المعارضة، فيشير الباحث الى أن أبرز مصادر الجماعات المعارضة هي النهب والاختطافات والتهريب، بالإضافة الى الاستيلاء على آبار النفط التي كانت خاضعة لسيطرة النظام السوري وكذلك الاستيلاء على خزائن فرع البنك المركزي في بعض المدن التي استولت عليها بعض الجماعات المقاتلة كجبهة النصرة مثلًا.

يتشابه اقتصاد الحرب في سوريا مع اقتصاد الحرب في اليمن في جزئيات ويختلف في جزئيات أخرى، فنقاط التشابه تكمن في اعتماد كلا السلطات أو الجماعات المتحاربة بشكل عام على السعي نحو مصادر بديلة لاستمرار الاقتصاد سواء كان ذلك عر اللجوء الى الضرائب والجمارك او التهريب والسوق السوداء وغيرها من المصادر المحلية، لكن الاختلاف البارز في الحالتين السورية واليمنية هو في حجم المساعدات الخارجية المقدمة لسلطة وجماعة الحوثي في اليمن، فبالرغم من الحديث حول العلاقة بين الحوثيين من جانب وايران وروسيا من جانب أخرى، إلا إنه لا يمكن أن يرتقي لنفس الدعم والتمويل المقدم لحليفهما في سوريا، إذ تختلف أهمية المصالح الجغرافية والسياسية، وبالتالي فإن أكبر مصادر تمويل اقتصاد حرب الحوثيين هي مصادر تمويل محلية ذاتية تعتمد أسلوب الجباية من المواطنين.

وفي حالة أخرى ربما تكون شبيهة بالحالة اليمنية في تعددية الجماعات وتنوع مصادر اقتصاد الحرب، تأتي الحالة الليبية، فبالرغم من محدودية الدراسات التي عنت بالحالة الليبية واقتصاد الحرب هناك، فإنه يمكن الإشارة الى دراسة تيم إيتونوالمعنونة “اقتصاد الحرب المربحة والمزعزعة في ليبيا[7]. يؤكد الباحث في مركز تشاثام هاوس ان الفوضى الشاملة التي مرت بها الدولة الليبية قد وفرت فرص شتى للجماعات المسلحة للنهوض والاستمرار، لاسيما مع ما يتميز به البلد من موارد طبيعية وموقع جغرافي، حيث تمكنت هذه الجماعات من الاستيلاء على الموارد الطبيعية وتهريبها وكذلك الاستيلاء على النقد. بالإضافة الى ذلك، فقد اعتمدت الجماعات المسلحة أيضًا على الفديات من الحكومة، كما لعبت الأسواق السوداء دورها لاسيما في مسألة فوارق صرف العملات والتلاعب بها وابتزاز العاملين في القطاع المالي. كما يشير الباحث أيضًا الى وسائل ومصادر جديدة استخدمتها الجماعات والميليشيات المسلحة أبرزها تهريب البشر وما رافق ذلك من ظهور شبكات اجرامية جديدة منظمة، كجماعة التبو التي تسيطر على طرق تهريب المهاجرين على الحدود الليبية الجديدة.

وبالرغم من أهمية النقاط التي أوردها الباحث، فإنه أهمل نقاط لها نفس الأهمية إن لم تكن أكثر على صعيد اقتصاد الحرب الليبية، فعلى سبيل المثال تلعب التمويلات الخارجية التي تقدمها بعض القوى الإقليمية والدولية دورها في استمرار هذه الجماعات، والمتابع للحالة الليبية سيجد ان هناك مجموعات مسلحة عديدة باتت تتلقى تمويلات ومساعدات خارجية مثلها كمثل الجماعات الموجودة في مناطق النزاعات المختلفة في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. والأمر لا يقتصر حول رغبة بعض الدول في التوسع والنفوذ السياسي فقط، بل يتعلق أيضًا برغبة قوى أخرى في الحد من خطر معين كما هو الحال بالخطر الذي تشكله موجات الهجرة على دولة ايطاليا، إذ يدفعها ذلك الى التعامل المباشر مع هذه الجماعات وتقديم الدعم اللازم لها لاسيما مع استمرار غياب الدولة والأجهزة الأمنية.

ثانيًا: تدابير وإجراءات اقتصاد الحرب في اليمن

يتصف الاقتصاد اليمني بكونه اقتصادًا ريعيًا، والمقصود بكونه اقتصادًا ريعيًا اعتماده المستمر على الموارد الخارجية، سواء كانت تلك الموارد عائدات تأتي من مبيعات النفط، أو من المساعدات الدولية، أو تحويلات المغتربين من أبناء الدولة، أو مزيجًا من بعض أو كل هذه المصادر، وقد أفضى استمرار هذا النموذج في اليمن الى نتائج عديدة اقتصادية وسياسية لعل أبرزها هشاشة الدولة وتشجيع الجماعات غير الرسمية على التمرد عليها[8]، فكانت جماعة أنصار الله الحوثيين إحدى هذه الجماعات التي استفادت من هشاشة الدولة اليمنية سابقًا، فتمكنت من بناء نفسها والحصول على ريع معين أدى الى تقويتها، وبالتالي انقلابها في نهاية الأمر على السلطة واستيلائها على مقوماتها وإمكانياتها.

ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل رئيسي على إيرادات النفط والغازوالذي يشكل حدود 70الى 80 بالمائة من ميزانية وايرادات الحكومة، كما ان هذا الايراد في تناقص مستمر[9]،ومع انقلاب الحوثيين على السلطة في ربيع 2014 وبداية الحرب الأهلية والتدخل العسكري توقف انتاج النفط والغاز الذي كان يشكل عصب الاقتصاد، كما توقفت معه المعونات التي كان يقدمها الخارج الإقليمي والدولي كمنح وقروض.

لقد أدى استيلاء الحوثين على السلطة ودخول البلد إتون الحرب الأهلية في جزء كبير من الجغرافيا اليمنية الى استفحال الأزمة الاقتصادية لاسيما مع تناقص الموارد الاقتصادية المشار اليها، وهو الأمر الذي دفع بالقوى الانقلابية المشكلة من تحالف الحوثي وصالح الى تشكيل مجلس رئاسي وحكومة انقاذ وطني كانت مهمتها الرئيسية إدارة الجبهات العسكرية وإيجاد موارد بديلة لمواجهة الحرب والجبهات العسكرية، فكان ان قامت باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي كانت في مجملها تستهدف إيجاد اقتصاد حرب ومواجهة تناقص الموارد وتزويد المقاتلين واستمرار الحرب.

وبما إننا نتحدث عن انقلاب ميليشيات وجماعات على الدولة، فإننا سنركز عن شكلين من اقتصاد الحرب، حيث يمكن ان تنطبق على الحالة اليمنية. يمكن تسمية الشكل الأول باقتصاد حرب للدولة والذي بموجبة تقوم السلطة المشكلة بفرض مجموعة من الضرائب والجمارك الجديدة لسد العجز المحتمل في ميزانية الدولة، أما الشكل الثاني فهو اقتصاد الجماعات والعصابات المسلحة وهو الشكل الذي بقي سائدًا ممثلة بجماعة الحوثي رغم سيطرتهم على الدولة والمؤسسات العامة ومواردها، وفي هذا السياق سنقوم بالتركز حول مجموعة من الآليات والإجراءات التي اتخذتها القوى التي انقلبت واستولت على السلطة، ومن هذه الآليات والإجراءات:

استنزاف الاحتياطي النقدي

قُّدر الاحتياطي النقدي للجمهورية اليمنية قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر (2014) بحدود 5.1 مليارات دولار[10]، ومع بداية الحرب الأهلية دخلت القوى الانقلابية مع الحكومة الشرعية في المنفى ما اصطلح على تسميته بالهدنة الاقتصادية[11]. حيث استمرت هذه الهدنة حتى نهاية العام 2016، لتوجه الحكومة الشرعية فيما بعد اتهاماتها لسلطة الحوثيين باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة. وبحسب البيانات المتوفرة، فقد انخفض الاحتياطي النقدي الى أقل من مليار دولار، مع توقف حركة التصدير، وهو الأمر الذي أدى بالحكومة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي في الـ18 من سبتمبر 2016 إصدار قرارًا يقضي بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي ونقل المقر الرئيسي للبنك من صنعاء إلى عدن مبرراً ذلك بأن قرار النقل كان ضروريًا للحفاظ على استقلالية البنك[12]، وهو ما شكل ضربة لحكومة صنعاء في منعها من التصرف من الأصول النقدية للبنك المركزي المتبقية في الخارج، وبالتالي استعادة الكفة لمصلحة الحكومة الشرعية لاتخاذ الإجراءات الاقتصادية كالإصدارات النقدية الجديدة والتحكم بسعر الصرف وغيرها.

وتعتبر الدولة اليمنية دولة مركزية بطبيعتها، فقد أدى تمركز مؤسسات الدولة ووصول مواردها الرئيسية الى العاصمة صنعاء الى سهولة تمكن جماعة الحوثيين من الاستيلاء على مقومات الدولة جميعها، بما في ذلك البنك المركزي. وقد مكن بقاء سلطة البنك المركزي والقرار الاقتصادي تحت ادارة جماعة الحوثي من تسخيره في دعم حروبه وجبهاته العسكري المتعددة خصوصًا مع استمرار توريد الإيرادات الى العاصمة المركزية صنعاء في فترة الحرب، كما مكنت الهدنة الاقتصادية المشار اليها والتي استمرت لأكثر من 18 شهرًا من استمرار استنزافه للخزينة العامة والمال العام، ساعد على ذلك ان واقع الميزانية العام المعمول بها يشوبها فسادًا وأسماء وهمية كبيرة خصوصًا المؤسسة العسكرية، حيث استغلها الحوثيون في صرف مخصصات ورواتب أفراده وميليشياته الحديثة غير المضمنة في قوائم المؤسسة العسكرية. بالإضافة الى ذلك فقد ساهمة عملية صرف رواتب موظفي الدولة خلال تلك الفترة في دعم النشاط الاقتصادي في تلك المناطق وسمح للحوثيين بفرض ضرائب أطلقوا عليها اسم “المجهود الحربي” على رواتب الأفراد، بينما قامت الجماعة أيضًا باستقطاع جزء من موازنة الوزارات لتمويل مجهودها الحربي[13].

التوقف عن دفع مرتبات موظفي الدولة

لقد كان لاستنزاف الاحتياطي النقدي ونقل البنك المركزي الى العاصمة المؤقتة عدن تأثيراته المتعددة على الوضع العام لاسيما على موظفي الدولة، حيث أمتنعت سلطة الحوثيين بداية من أغسطس 2016 عن دفع رواتب الموظفين والذين يفوق عددهم أكثر من مليون ومائتين ألف موظف. إن امتناع الحوثيين عن دفع رواتب الموظفين في إطار البقعة الجغرافية الخاضعة لسيطرتها على الأقل، يعود الى فقدانها الكثير الموارد التي كانت تحصل عليها في السابق، إضافة الى اهتمامها بتموين جبهاتها العسكرية من خلال مجموع من إجراءات التحصيل الجديدة وتخصيصها لمواجهة الحرب والجبهات.

وبعد مضي أكثر من عامين على بداية الحرب الأهلية والتدخل الخارجي في اليمن، بدأت الأزمة الاقتصادية تستفحل أكثر، لاسيما مع استنزاف الاحتياطي النقدي ونقل البنك المركزي وتوقف انتاج النفط والغاز، حيث أدت كل هذا المستجدات الى لجوء سلطة الحوثيين الى إجراءات جبائية اقتصادية مختلفة، وذلك لتتمكن من سد العجز الذي تواجهه في تمويل اقتصاد حربها.

إيرادات المحافظات المحلية

تعتبر الإيرادات المحلية من أهم الموارد التي لا زالت جماعة الحوثي تستحوذ عليها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إذ تعتمد عليها في استمرار تمويل حربها، فبحسب وزير الإدارة المحلية في الحكومة المعترف بها دوليًا، فإن ما يتم تحصيله من قبل جماعة الحوثي من إيرادات المحافظات المحلية الواقعة تحت سيطرتها يفوق 1.7مليار دولار سنوياً، مسخرة ذلك في حروبها وجبهاتها العسكرية[14]. أما بقية المناطق التي تحت سيطرة الحكومة الشرعية كمأرب وحضرموت وعدن، فإنها تقوم بفرض الكثير من الضرائب على البضائع التي تدخل موانئها كمينائي المكلا وعدن، حيث تستخدم هذه الموارد في دفع تكاليف إصلاح البنية التحتية والخدمات الطبية الأساسية والكهرباء، الى جانب المساعدات المقدمة من دولتي الامارات والسعودية. أما في محافظة مأرب، وهي إحدى المحافظات الشمالية الغنية بالموارد النفطية والتي قاومت سيطرة جماعة الحوثي، فقد تمكن الحاكم، وهو زعيم قبلي مهم، من تمويل الخدمات عن طريق بيع الغاز المعبأ في حقل نفطي في المحافظة، وفي حين أن الأموال التي تتم بهذه الطريقة لا تكفي لمنع الفقراء في اليمن من الانجراف نحو المجاعة، إلا أنها توفر الموارد اللازمة لإبقاء الميليشيات والقادة السياسيين المختلفين في السلطة[15].

المجهود الحربي

قد لجأت الجماعة الى فرض جبايات مختلفة تحت مسميات عديدة، إحدى أهم هذه الإجراءات هي فرض جبايات جديدة تحت مسمى المجهود الحربي. ووفقًا لهذا المسمى تطلب جماعة الحوثي من الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة ورجال الأعمال تبرعات مباشرة لتمويل الجبهات، إذ إنه واجبًا وطنيًا وفقًا لتعبيرهم[16]، وقد أثار موضوع الشفافية والكشف عن حجم المبالغ والأرقام الحقيقة التي تقدم إلى قادة الجماعة من الجهات المختلفةخلافات كبيرة مع حليفهم السياسي حزب صالح، إذ إنها تظل أرقام سرية ترفض الجماعة الكشف عنها وحقيقتها[17]. كما إن من بين الإجراءات التي اتخذتها الجماعة ما جاء على لسان زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في أحد الخطابات التي القاها دعوة اليمنيين الى التبرع بخمسين ريال ردًا على قرار الحكومة المعترف بها دوليًا القاضي بنقل البنك المركزي الى العاصمة المؤقتة عدن[18]. وتجد الجماعة أيضًا في المناسبات الدينية أو السياسية العديدة التي تقيمها فرصة لممارسة الابتزاز على المحلات ورجال الأعمال لتمويل احتفالاتهم، كذكرى المولد النبوي وعيد الغدير، أو حتى الاحتفال بمناسبة دخولهم صنعاء.

فرض ضرائب جديدة

بعد تشكيل حكومة الإنقاذ لوطني المنبثقة عن الاتفاق الموقع بين جماعة الحوثي وحليفها حزب المؤتمر الشعبي العام، جرى نقاش حول إمكانية إجراء تعديلات جديدة في القوانين الضريبية والعمل على زيادة تنمية الموارد المالية لتمويل الحرب، حيث كشف وزير المالية في حكومة الإنقاذ عن توجه لرفع ضريبة المبيعات على اتصالات الهاتف النقال والدولي إلى 22% بدلا من 10%، وخدمات الهاتف الثابت والإنترنت من 5% إلى 10%، وضريبة المبيعات على السجائر المحلية والمستوردة والتبغ إلى 120% بدلا من 90%، وذلك ابتداء من أكتوبر 2017، كما كشفت تقارير حول تدارس زيادة ضريبة المبيعات على السيارات من 5% إلى 15%، مما سيرفع عائدات الضريبة على مبيعات المركبات إلى 6 مليارات ريال سنويًا (16 مليون دولار).[19]

نقاط التفتيش على الطرق

وتقوم جماعة الحوثيين بتمويل حروبها من خلال عرقلة بعض أعمال التجار الكبار ليجري ابتزازهم بمبالغ كبيرة يعود ريعها للجماعة أو مشرفين كبار في الجماعة، كما يشكو المواطنين والمسافرين بتعدد الحواجز ونقاط التفتيش المنتشرة على طول الطريق والتي تمارس ابتزازًا لهم، حيث تسترزق هذه النقاط وتكتسب أجورها عن طريق ما يتم تحصيله من المواطنين، بغض النظر عن ارتباطهم بسلطة مالية، فما يتم الحصول عليه يتم صرفه بشكل ذاتي لأفراد هذه النقاط، لاسيما مع توقف مرتباتهم ومصاريفهم طوال كل هذه الفترة، وإذا كانت النقاط الأمنيةقد بدأت ممارسة الابتزاز لتدبير مصاريف أفرادها، فإنها تحولت لاحقاً إلى مورد ثابت ومصدر دخل تقدر عائداته اليومية بملايين الريالات، فباتت أموال النقاط تعوض توقف موارد أخرى، ويمكنها تمويل أنشطة الحرب المختلفة[20]. والأمر نفسه لا يتوقف على المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. بل إن المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية والجماعات الأخرى تعاني نفس الأمر مع انتشار عشرات النقاط العسكرية المسلحة، لاسيما مع ضعف الحكومة المعترف بها دوليًا وتعدد القوى والجماعات المنضوية تحت إطارها.

الرسوم الجمركية وميناء الحديدة

في الوقت نفسه، اتخذت جماعة الحوثيين جملة من الإجراءات الاقتصادية التي بموجها تقوم بفرض جمارك جديدة لمواجهة انعدام الإيرادات، حيث تستهدف هذه الإجراءات الشحنات والبضائع التي خضعت لإجراءات دفع رسوم الجمارك في الموانئ والمنافذ التي تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا كميناء عدن ومنفذ الوديعة البري، وقد أدى هذا الأمر الى ارتفاع كبير في أسعار المواد المستوردة في هذه المدن[21]، وتشددت الجماعة في فرض هذه التعرفات الجمركية الجديدة عبر استحداث منافذ تحصيل في بعض مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها كالحديدة وذمار وغيرها.

وما يزال ميناء الحديدة أحد أهم وأكبر الموانئ البحرية اليمنية التي يخضع لسيطرة جماعة الحوثي، فهو حتى الوقت الحالي يمكن اعتباره الشريان اليمني الأكبر الذي تصل إليه أغلب الواردات التجارية والغذائية لاسيما الى المناطق الشمالي التي تمثل الكتلة السكانية الأكبر في البلاد، ليمثل بذلك أحد أهم الموارد لاقتصاد حرب الحوثيون، حيث تكشف إحدى الوثائق الرسمية عن إيرادات فعلية للميناء تقدر بحدود تسعة مليار ريال شهريًا تذهب الى ميزانية الحوثيون وسلطتهم[22].

تعويم المشتقات النفطية وظهور السوق السوداء

لقد تسببت الحرب التي بدأت في مارس 2015 في تدمير الاقتصاد الرسمي الذي كان يعاني هشاشة وضعفًا وفقًأ للعديد من تقارير المنظمات الدولية، الأمر الذي فتح الطريق أمام تكون اقتصاد غير رسمي عمل على تأسيي كيانات اقتصادية موازية لتمويل الحرب، إحدى هذه الكيانات هي السوق السوداء. لقد كان لقرار تعويم أسعار المشتقات النفطية الذي اتخذته اللجنة الثورية التي شكلها الحوثيون بعد انقلابهم على السلطة في يوليو 2015، كان له أهميته الخاصة في فتح المجال أمام كيان السوق السوداء، حيث قضى قرار تعويم أسعار المشقات النفطية برفع الدعم عنها وبيعها بالسوق المحليّةبسعر البورصة العالمية ووفقًا لمتوسط سعر الشراء خلال الشهر السابق بحسب ما جاء في موقع وكالة الأنباء اليمنية سبأ الخاضعة لسيطرة الحوثيين[23]. سمح القرار الصادر عن اللجنة الثورة للقطاع الخاص باستيراد المشتقات النفطية، وذلك بعد أن كان استيرادها وتوفيرها للسوق المحلية مقتصراً على شركة النفط اليمنية الحكومية وفقاً للائحة التنظيمية لوزارة النفط والمعادن الصادرة بقرار جمهوري رقم (40) لسنة 2000، وهو الأمر الذي مكن شركات القطاع الخاص لاسيما الشركات الجديدة التي أنشأتها الجماعة حديثًا من استيراد النفط وبيعه إلى شركة النفط الحكومية وتوزيعها للسوق، وبالتالي جني أرباح طائلة سيعود ريعها لاقتصاد الجماعة وتموين الجبهات العسكرية والحرب.

ويذكر تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في السابع من ديسمبر 2017 أن فريق خبراء الأمم المتحدة أكد أن بيع الوقود في السوق السوداءأحد أهم المصادر الرئيسية لإيرادات الحوثيين، حيث يفيد التقرير ان الحوثيين جنوا ما يصل إلى 1.14 مليار دولار من توزيع الوقود والنفط في السوق السوداء، بالإضافة الى قيامها باستيراده لأغراضها العسكرية[24].

الاستيلاء على المعونات الإنسانية

مع دخول البلد الصراع الشامل وتصنيفها ضمن أكثر الدول التي تتعرض لمجاعة إنسانية في العالم، زاد الاهتمام الدولي بالوضع الإنساني لاسيما مع التقارير المتصاعدة حول الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلد، حيث يقدر اجمالي التمويل الانساني المقدم لليمن للعام 2017 حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بحوالي ملياري دولار[25]، وفي مثل هذا الوضع  فإن مسألة ممارسة الضغوط والاختلاس من قبل الجماعات المسلحة يبدو ممكنًا، خصوصًا مع التقارير المتعددة التي تتحدث عن نهب المساعدات الإنسانية من قبل جماعة الحوثي وتسخيرها لمصلحة اقتصاد حربها.

يشير تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة نقلته صحيفة صانداي إكسبرس البريطانية بأن المعونات التابعة للأمم المتحدة بما فيها المواد الغذائية الأساسية يتم سرقتها من قِبل قادة تابعين لجماعة الحوثي وأعضاء تابعين لحزب المؤتمر الشعبي العام، حيث يتم بيع هذه المساعدات للتجار الذين بدورهم يقومون برفع الأسعار أو توزيعها على الأهل والأصدقاء وبيعها، بدلاً من ذهابها للمستحقين. وبالرغم من انه لا توجد ارقام رسمية لذلك، إلا إن توزيع هذه المواد يأتي خارج سيطرة وكالات المساعدات[26].

خاتمة:

سلطت هذه الدراسة الضوء على اقتصاد الحرب في اليمن، حيث ركزت على التدابير الاقتصادية التي اتخذتها سلطة الأمر الواقع في اليمن (جماعة أنصار الله الحوثيين)، وذلك بعد استيلائها على السلطة في ربيع العام 2014. إن التدابير التي اتخذتها جماعة الحوثي لاستمرار اقتصاد الحرب وتمويل الجبهات العسكرية لاسيما مع توقف تصدير النفط والغاز والمنح والمساعدات الدولية كانت بالنسبة لها ضرورية لوقف تردي الأوضاع واستمرار حربها ضد الجماعات الأخرى، خصوصًا مع قوة الخصم المسنود بسلاح ومال وعتاد كبير. أبانت الدراسة سلسلة من الإجراءات والتدابير الجبائية التي اعتمدت عليها جماعة الحوثي كاستنزاف الاحتياطي النقدي ووقف دفع مرتبات موظفي الدولة، وصولًا الى إعادة النظر في القوانين الضريبية واستحداث منافذ جمركية جديدة ونقاط تفتيش على الطرق وكذلك التبرعات الشعبية والمجهود الحربي وفتح سوق سوداء للمشتقات النفطية.

لقد مكنت كل هذه التدابير جماعة الحوثي من الاستمرار في إدارة الجبهات العسكرية وصموده في الصراع الحالي، حيث عمل على إنشاء اقتصاد حرب موازي كبديل عن الاقتصاد الرسمي الذي كان يعتمد على المورد الرئيسي التقليدي الذي كان يقوم على أساس تصدير النفط والغاز، وبالرغم من تدهور الوضع الاقتصادي والعسكري الذي انعكس بدوره في تراجع قوة ونفوذ الجماعة في صراعها من قوى الشرعية وخسارتها لمناطق جديدة، إلا إنها ما زالت تمتلك مصادر قوة وموارد ومناطق مهمة ذات أهمية جغرافية واقتصادية، كما يمكن القول ان اقتصاد حرب الجماعة ما زال يشكل مصدر قوة ويكتسب مواضع قوة خفية بشكل يمكنها من الاستمرار وقتًا أكبر.

المصادر والمراجع:

  1. شقير، شفيق (محررًا). الفاعلون غير الرسميين في اليمن: أسباب التشكل وسبل المعالجة. الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2012.
  2. منصور راجح وآخرون، “اليمن بلا بنك مركزي: فقدان أساسيات الاستقرار الاقتصادي وتسريع المجاعة”، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 3 نوفمبر 2016، موجودة على: http://bit.ly/2Et2oc8.
  3. “التضخم باليمن في أعلى مستوى له خلال عام”. الجزيرة نت.: http://bit.ly/2yN2k2E
  4. “اليمن.. الصراع على المركزي يعرض الهدنة الاقتصادية للانهيار”،العربي الجديد،http://bit.ly/2ziK6cZ
  5. وجدي السالمي. “المليشيات تنهب 1.7 مليار دولار سنوياً من إيرادات المحافظات”، العربي الجديدhttp://bit.ly/2zikOvq.
  6. فاروق الكمالي. “إتاوات المتناحرين في اليمن تحاصر التجار”، العربي الجديد،http://bit.ly/2k8xnlk.
  7. “المجهود الحربي يثير خلافًا بين طرفي الانقلاب في اليمن”. أرم نيوز، http://bit.ly/2AYR0GG
  8. “الحوثيون يرفعون الضرائب على اليمنيين لزيادة مواردهم المالية”. العربي الجديد. ,http://bit.ly/2Btl0Yo
  9. فاروق الكمالي. “استنزاف المواطنين: نقاط التفتيش مورد لتمويل أنشطة الحرب في اليمن”.العربي الجديد،http://bit.ly/2CtiW1Y
  10. فاروق الكمالي. “الحوثيون يفرضون رسوماً جمركية على بضائع عدن”، العربي الجديد. http://bit.ly/2k8tHjw
  11. “وثيقة رسمية تكشف تحصل الحوثيين على 9 مليار ريال من جمارك ميناء الحديدة خلال شهر واحد”، عدن نيوز.http://bit.ly/2kDOLgU.
  12. “اللجنة الثورية العليا تصدر قرار بتعويم أسعار المشتقات النفطية”. وكالة سبأ للأنباء. http://bit.ly/2yMsPoW
  13. “اليمن: حصار التحالف يُعرّض المدنيين للخطر”. هيومنرايتسووتش. http://bit.ly/2jbMgCb

English

  1. “Yemen: Revised Humanitarian Response Plan – Funding Status”, reliefweb, Available at: http://bit.ly/2jaSUZy.
  2. ALIX CULBERTSON “FOREIGN AID FARCE: Millions siphoned off by Yemen government from desperate civilians”, Oct 8, 2016, Sunday Express, available at: http://bit.ly/2CARQpF
  3. Ballentine, Karen, and HeikoNitzschke. “The political economy of civil war and conflict transformation.”Berghof Research Center for Constructive Conflict Management, Berlin. at:http://bit.ly/2kbtsWB
  4. Le Billon, Philippe. “The political ecology of war: natural resources and armed conflicts.” Political geography20, no. 5 (2001).
  5. Le Billon, Philippe, Joanna Macrae, Nick Leader, and Roger East. “The political economy of war: what relief agencies need to know?”. London: Overseas Development Institute, 2000.
  6. Salisbury, Peter. Yemen’s Economy: Oil, Imports and Elites. Chatham House, 2011.
  7. Salisbury, Peter. “Yemen and the business of war”. Chatham House. September 2017, at: http://bit.ly/2vszxm9
  8. TIM EATON, An Impediment to Peace: Libya’s Lucrative and Destabilizing War Economy, JUNE 15, 2017, War on the Rocks, [Available at: http://bit.ly/2nlr95F. [Accessed 25 December 2017].
المصدر
المركز الديمقراطي العربي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: